للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى قوله تعالى: (وجعلها كلمة باقية في عقبة لعلهم يرجعون)]

قال المصنف رحمه الله: [وقول الله تعالى: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} [الزخرف:٢٨] أي: لا إله إلا الله.

فتدبر كيف عبر إبراهيم عليه السلام عن هذه الكلمة العظيمة بمعناها الذي دلت عليه ووضعت له من البراءة من كل ما يعبد من دون الله من المعبودات الموجودة في الخارج كالكواكب والأصنام التي صورها قوم نوح على صور الصالحين ود وسواع ويعوق ويغوث ونسر، وغيرها من الأمثال والأنداد التي كان يعبدها المشركون بأعيانها.

ولم يستثن من جميع المعبودات إلا الذي فطره، وهو الله وحده لا شريك له، فهذا هو الذي دلت عليه كلمة الإخلاص مطابقة، كما قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} [الحج:٦٢] فكل عبادة يقصد بها غير الله تعالى من دعاء وغيره فهي باطله، وهي الشرك الذي لا يغفره الله، قال تعالى: {ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ} [غافر:٧٣ - ٧٤]].

يعني: هذا في الآخرة، حيث ضلوا في الدنيا فيضلهم الله في الآخرة إلى سوء الظنون، ويظنون أنهم على شيء وهم كاذبون، ومعنى قوله: {ضلوا عنا} يعني: ذهبوا لا نراهم ولا وجود لهم حيث اعتقدوا في الدنيا أنهم يشفعون لهم، وشرك المشركين السابقين كله من هذا القبيل، أي: التشفع فقط.

يتخذون الأصنام والصالحين شفعاء، مثلما ذكر في قصة نوح عندما صاروا يدعون وداً وسواع ويغوث ويعوق ونسراً، يقول العلماء: إن هذه الأسماء لرجال صالحين كانوا فيهم، وكانوا قدوة لهم، فماتوا في وقت متقارب، فأسفوا على فقدهم لأنهم يقتدون بهم ويهتدون بهديهم، وهم علماؤهم وعبادهم، فجاءهم الشيطان بصورة ناصح وقال لهم: ألا تصوروا صورهم فتضعونها في أماكنهم التي كانوا يجلسون فيها ويتعبدون فيها، فإذا رأيتم صورهم تذكرتم أفعالهم فاجتهدتم كاجتهادهم؟! فاستحسنوا هذا وصنعوه وصاروا على هذا العمل وقتاً إلى أن ماتوا، فجاء الذين بعدهم، ونسوا السبب الذي من أجله صوروا، فجاء إليهم الشيطان فقال: آباؤكم ما صوروا هؤلاء إلا لأنهم يتشفعون بهم، ويطلبون شفاعتهم عند الله ويجعلونهم شفعاء.

فهذا هو أصل الشرك، وهذا أول شرك وقع في الأرض، أما قبل ذلك فكان الناس كلهم على منهج أبيهم آدم عليه السلام موحدين يعبدون الله وحده، ولهذا فنوح هو أول الرسل، وقبل ذلك لم تكن حاجة إلى إرسال الرسل؛ لأن الناس كانوا عابدين لله جل وعلا متبعين الحق مقتدين بأبيهم آدم الذي هو نبي مكلم كلمه الله جل وعلا.

فلما وقع هذا الأمر بعث نوح عليه السلام، وصار يدعوهم إلى عبادة الله وحده، يقول الله جل وعلا: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ} [نوح:١] يعني: يأمرهم أن يعبدوا الله وحده.

قال لهم هكذا: ((اعبدوا الله مالكم من إله غيره))، وهكذا الرسل كلهم يقولون هذا القول.