قال الشارح رحمه الله: [قال: ويدل على هذا قول الله تعالى: {أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى}[القيامة:٣٦]، قال الشافعي:(لا يؤمر ولا ينهى)].
قوله تعالى:(أَنْ يُتْرَكَ سُدًى) السدى هو: المهمل، وقول الشافعي:(لا يؤمر ولا ينهى) هو معنى الإهمال، فالله لم يهمل خلقه جل وعلا، بل أمرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته، وأعظم ما أمر به هو التوحيد، وأعظم ما نهى عنه هو الشرك الذي هو ضد التوحيد، كما قال جل وعلا:{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا}[البقرة:٢٥٦]، هذا هو الذي ينجي الإنسان في الواقع، لا ينجيه كثرة ماله ولا كثرة جمعه وأنصاره، وإنما ينجيه طاعة الله وعبادته وحده؛ فإنه ليس بين الرب جل وعلا وبين الخلق صلة إلا بالطاعة، كما قال تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات:١٣]، فلا ينفع النسب حتى وإن كان الإنسان ابن نبي، فإذا كان هو عاصياً فلن يستفيد، ولا يستفيد إلا بعمله، كما قال تعالى:{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[الأنعام:١٦٤]، وقال جل وعلا:{وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}[النجم:٣٩]، ولذا اليهود أبناء أنبياء وهم أخبث خلق الله وأبعدهم عن الهدى -نسأل الله السلامة- فهم من أبناء إبراهيم عليه السلام؛ لأن يعقوب هو إسرائيل، ولذا يقول الله جل وعلا لهم:(يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ) يذكرهم بأبيهم الأواب الطائع النبي الكريم لعلهم يرجعون، ولكن عاندوا وكفروا وتكبروا، فلأجل ذلك أحل الله عليهم لعنته، وأخبر سبحانه أنه سيبعث عليهم من يسومهم سوء العذاب إلى يوم القيامة وإن كانوا أبناء أنبياء.
والمقصود: أن الإنسان مهمته أن يطيع ربه، فإذا أطاع ربه فهذه الطاعة في الواقع سعادته، يسعد بها في الدنيا والآخرة، كما قال جل وعلا:{إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ}[الانفطار:١٣ - ١٤]، الأبرار في نعيم في الدنيا وفي الآخرة وفي القبر وبعد البعث، والفجار في جحيم في دنياهم، وإن كانوا يتنعمون في الظاهر فإن في قلوبهم وأكبادهم أشياء تكاد تحرقها، ولهذا بعضهم ينتحر استعجالاً للموت بزعم أنه يستريح، وهو في الواقع ينتقل من عذابه إلى ما هو أشد -نسأل الله العافية-، فالكافر في جحيم وفي عذاب يجد نفسه دائماً في اضطراب وفي نكد وتنغيص، بخلاف المؤمن فإنه وإن كان فقيراً تجده سعيداً راضياً بما هو فيه، ويشكر ربه ويسأله، فهو يرجو أن تكون له السعادة بعد حياته هذه، وإذا مات لقي نعيماً ما كان يتصوره، ويكون على روحه، وإذا اجتمعت الروح بالجسد وبعث فمسكنه الجنة، والجنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، والمقصود: أن الإنسان خلق لعبادة الله، فإن عبد الله فهذه سعادته، وإن لم يعبد الله فهو شقي في حياته الدنيا وبعدها.