قال المصنف رحمه الله تعالى: [عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الحلف منفقة للسلعة، ممحقة للكسب) أخرجاه].
هذا الحديث على وجازته تضمن معاني جليلة كسائر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه صلوات الله وسلامه عليه أعطي جوامع الكلم، وجوامع الكلم هي الكلمات القليلة التي تجمع فيها المعاني الكثيرة.
فهنا يقول:(الحلف منفقة للسلعة، ممحقة للكسب)، وفي رواية:(ممحقة للبركة) يعني أن الإنسان إذا حلف على سلعته سواء كان بائعاً أو مشترياً فإن هذا قد يكون سبباً لأن يعطى أكثر مما يستحق أو يباع عليه بأقل مما تستحق السلعة، ولكن النتيجة أن يكون هذا ماحقاً للبركة، والمحق هو المحو والإزالة والإبادة والإذهاب، ومحق الكسب معناه ذهاب بركته وإن كانت عينه كثيرة، وإذا زالت البركة فلا خير فيه لا في عينه ولا في الانتفاع به؛ لأن البركة أصبحت ممحوقة، فإنفاق السلعة بالحلف معناه: أنه إذا حلف ألا يبيع إلا بكذا أو أنه قد اشتراها بكذا فإن هذا يكون حاملاً للمشتري على أن يقدم على شرائها فتنفق، والنفاق هو أن يرغب فيها المشتري، فهذا من المرغبات ومن المنفقات للبيع، ولكن النتيجة تأتي عكسية، والحلف في الحقيقة مطلق في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا ينبغي للإنسان أن يحلف على الشيء الذي يبيعه أو يشتريه وإن كان صادقاً؛ لأن حلفه وإن كان صادقاً يدخل في هذا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر الحلف كاذباً فقط بل قال:(الحلف)، فمجرد الحلف في البيع منفقة ممحقة، والمفروض على المسلم ألا يحلف كاذباً.
إذاً: الحديث حتى في الذي يحلف وهو صادق، فيكون حلفه وهو صادق بهذه المثابة (منفقةٌ للسلعة) يعني: يكون سبباً لأن تنفق عند الناس، فيرغبون فيها ويشترونها، ولكن يكون ذلك محقاً للكسب، فكسبه الذي يتحصل عليه ممحوق البركة، وإذا محق الكسب فلا خير فيه، إن أكل منه لم يبارك له ولم ينتفع به، وإن أنفق منه لم يبارك له ولم ينتفع به، فتزول المنفعة والعين نفسها أيضاً، فعلى هذا تعين على العبد أن يجتنب الحلف، فلا يحلف على الشيء وإن كان صادقاً فيه إذا أراد أن يبيع أو يشتري، بل الأمر فيه سعة، (ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه).