للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من أدلة التوحيد حصول المشقة والمصائب على النبي صلى الله عليه وسلم]

[المسألة الثامنة عشرة: من أدلة التوحيد ما جرى على سيد المرسلين وسادات الأولياء من المشقة والجوع والوباء].

هذا مأخوذ مما وقع له بغزوة خيبر صلوات الله وسلامه عليه، فإنه وقع لأصحابه جوع ومرض ووباء، ووقع لهم تعب وشدة، مع أنهم سادة أولياء الله مع سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه.

يقول: إن هذا من أدلة التوحيد.

كيف يكون هذا من أدلة التوحيد؟ لأن معناه أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ليس عندهم تصرف في الكون في جلب الرزق ودفع الضر وإزالة الكرب، فإنه وقع فيهم هذا الشيء وما استطاعوا إزالته، واستسلموا وانقادوا لأمر الله جل وعلا، ورضوا بما هم فيه حتى فرج الله عنهم، فدل على أن التصرف كله لله وحده، والأمر كله لله، والعباد كلهم راجعون إليه وكلهم يتجهون إليه، حتى سيد الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم هو عبد مكلف أمره الله جل وعلا بالعبودية، يعبد الله وهو أعظم الناس عبادة لله جل وعلا، فهذا معنى قوله: إن هذا من أدلة التوحيد.

فليس مع الله مدعو يكون له عبادة، فالعبادة تكون لله وحده، وهذا معنى التوحيد؛ إذ إن العبادة لا تجوز أن تكون إلا لمن يملك النفع والضر إذا عبده أثابه وإذا لم يعبده عاقبه، ويعلم ما في قلب الإنسان، ويستطيع دفع المضرات عنه وصرفها، وجلب المنافع إليه، سواءٌ أكانت غيبية أم كانت ظاهرة، أما إذا كان ليس كذلك فلا يصلح أن يكون معبوداً، وهذا لا يكون إلا لله وحده، فهذا معنى كون الذي وقع للنبي صلى الله عليه وسلم ولأصحابه من أدلة توحيد الله جل وعلا.

وقد ذكر أنهم كانوا في شدة الحاجة في هذه الغزوة حتى طبخوا الحمير، أمسكوها وذبحوها وصاروا يطبخونها، فالرسول صلى الله عليه وسلم لما رأى النيران قال: (ما هذه النيران؟ قالوا: إنها حمر.

-وجدوها فذبحوها فهم يطبخونها ليأكلوها- فأمر منادياً ينادي: لتكسر الأواني التي فيها هذه الحمر.

فقالوا: يا رسول الله! نغسلها قال: نعم)، ولهذا جاء عن علي رضي الله عنه (أن الرسول صلى الله عليه وسلم حرم الحمر الأهلية يوم خيبر)، وهو لهذه القصة، فمن شدة حاجتهم طبخوها، ولكن ما أكلوا منها شيئاً، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن تكفأ.

وكذلك كانت خيبر أرضاً موبوءة، فأصيبوا بالحمى وبالمرض حتى اشتكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأمرهم أن يبردوا الماء بالقرب ثم يصبوه على أبدانهم بين الصلاتين، أي: بين صلاة المغرب والعشاء، فشفوا بذلك.

والمقصود أن هذا كله يدل على أن الأمر كله بيد الله جل وعلا، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يملك مع الله شيئاً، وإنما الأمر لله، وفي أحد شج رأسه، وكسرت البيضة التي على رأسه صلوات الله وسلامه عليه، وقتل من أصحابه سبعون رجلاً، وصار الدم يسيل على وجهه، فقال وهو يسلته: (كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى الله؟)، ثم صار يدعو عليهم في القنوت في الصلاة، يقنت في الصلاة في الركعة الأخيرة بعد الركوع أو قبل الركوع، ويرفع يديه ويدعو: اللهم! العن فلاناً وفلاناً وفلاناً.

يسميهم بأسمائهم في الصلاة، والصحابة خلفه يقولون: آمين.

أي: اللهم استجب.

ومعلوم أن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ليس كدعاء غيره، ثم بعد ذلك ينزل الله جل وعلا عليه: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران:١٢٨]، فتاب الله على أكثر الذين فعلوا هذه الأفاعيل، فأسلموا ودخلوا في الإسلام بعدما كانوا يسعون جهدهم في قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والمقصود أن الله جل وعلا وحده هو المتصرف في الكون كله، وهذا معنى كون التوحيد يجب أن يكون لله وحده.