للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ثناء الله على الصحابة والتحذير من بغضهم وسبهم]

وقد أثنى الله جل وعلا على الصحابة في كتابه ثناءً كثيراً، وشهد لهم بأنهم مؤمنون ومتقون وسابقون، وأخبر أنه رضي عنهم وأنهم رضوا عنه، قال الله جل وعلا: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح:٢٩]، وليست السيما التي تكون في الجبهة مختلفة اللون عن لون الجلد، ليس هذا هو المقصود، إنما المقصود بالسيما أثر الخشوع والذل والخضوع والنور الذي يعلو وجوههم من الإيمان ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم.

وقد أخبر الله جل وعلا نبيه بأنه سيأتي من يسب أصحابه ويلعنهم، فروي عنه أنه قال: (إذا لعن آخر هذه الأمة أولها فمن كان عنده علم فليظهره) يعني: علم في ذلك.

وإن كان العلم يجب أن يظهر دائماً، ولكن عند الحاجة يتعين أكثر.

وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من بغضهم ومسبتهم وقال (الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضاً، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم)، وهذا هو الواقع، فالذين يبغضونهم إنما يبغضون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لا يجرؤون أن يصرحوا بأنهم يبغضون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيصبون البغض على الصحابة، وإلا فالواقع أن البغض يقع للرسول وللإسلام؛ لأن الواسطة بين الأمة وبين الرسول صلى الله عليه وسلم هم الصحابة، فهم الذين نقلوا الإسلام إلينا، وهم الواسطة بيننا وبين رسولنا صلى الله عليه وسلم، فإذا كانوا -كما يزعم الضلال- كفرة مرتدين أصبحنا نحن ضالين؛ لأننا أخذنا ديننا عن كفار، وهذا هو المقصود من الطعن فيهم، فهذا شيء من صفتهم.

وتوجد أشياء كثيرة يجب على المسلم أن يتعرف عليها، فالمسلم اليوم يغزى من كل مكان، وتدبر له المؤامرات لصده عن دينه، فيجب عليه أن يتعرف على سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيرة من كان يناصره ويواليه ويقاتل بين يديه بأمر الله جل وعلا ويبذل ماله ونفسه حتى أظهر الله جل وعلا هذا الدين، فيتولى الصحابة، ويصبح ممتثلاً أمر الله في قوله جل وعلا: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:١٠]، فيجب أن يكون المسلم بهذه الصفة وعلى هذا النهج الذي بينه الله جل وعلا، وإلا فهو على خطر عظيم، وقد يكون ممن كفر بالله جل وعلا، ولهذا يقول الله عز وجل: {وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح:٢٩] يقول الإمام مالك رحمه الله: من غاضه شأن الصحابة فهو كافر؛ لقوله جل وعلا: (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ).

وهو شيء ظاهر من الآية.