للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[علو منزلة أبي بكر رضي الله عنه]

قول بعض الناس -الذين لا علم لهم-: إن الله اتخذ محمداً حبيباً! خطأ؛ لأن الخلة أعظم من المحبة، وقوله: (ولو اتخذت أحداً منكم خليلاً لاتخذت أبا بكر) يدلنا على أن أبا بكر رضي الله عنه هو أفضل الصحابة، وأقربهم إلى الله وسيلة وفضلاً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يحب ما يحبه الله جل وعلا.

وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بأنه يحب أبا بكر ففي صحيح مسلم: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث عمرو بن العاص في سرية، ثم تخلف عمرو ليصلي مع الرسول صلى الله عليه وسلم الوقت الذي يليه هذا الوقت، فلما رآه قال: ألم أرسلك؟ قال: بلى، ولكن ذهب أصحابي وأردت أن أصلي معك ثم ألحق بهم، فأخبره صلى الله عليه وسلم أنه لا يدرك أجر اللحاق بهم بهذه الصلاة؛ لأن الذهاب في سبيل الله فضله عظيم، والشاهد: أن عمرو بن العاص سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحب إليك؟ والرسول صلى الله عليه وسلم لا يخشى أحداً، ولا يداري أحداً، ولا يجامل صلوات الله وسلامه عليه أحداً، فقال: عائشة، قال: من الرجال؟ قال: أبوها، ثم قال له: ثم من؟ قال: ثم عمر، فسكت) فهذا نص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يحب عائشة، وأن عائشة أحب الناس إليه من النساء، وأن أباها أحب الناس إليه من الرجال، ثم يلي ذلك عمر رضي الله عنه، وهذا لا ينافي قوله: (لو اتخذت أحداً منكم خليلاً لاتخذت أبا بكر) بل يدل هذا على معنى، وهذا على معنى، فدل على أن الخلة أعلى من المحبة، وهذا واضح.

واستدل بهذا بعض العلماء على خلافة أبي بكر؛ لأنه ما دام هو أفضل الصحابة، وأحب الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهو الأولى بالخلافة، وهناك أدلة أوضح من هذا وأجلى، وهي ثابتة في الصحيح.

منها: أمره صلى الله عليه وسلم له بأن يصلي بالناس، والصلاة هي أعظم ما يجتمع عليه المسلمون من أمورهم، ولهذا فهم ذلك الصحابة وقالوا: رضيه لديننا أفلا نرضاه لدنيانا؟! ومنها: (أنه جاءته امرأة تطلب حاجة، فقال: ائتيني يوم كذا وكذا، أو بعد وقت كذا وكذا، فقالت: أرأيت إن لم أجدك؟ -يقول الراوي: تقصد الموت- قال: ائتي أبا بكر).

ومنها: ما ثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: (رأيتني على قليب أنزع، فنزعت ما شاء الله أن أنزع -يعني: بالدلو لاستخراج الماء- فجاء أبو بكر ليريحني فنزع ذنوباً أو ذنوبين وفي نزعه ضعف والله يغفر له، ثم جاء عمر فتحولت الدلو غربا -الغرب: معروف أنه الجلد الكبير الذي لا يخرجه إلا البعير أو ما أشبهه من البئر- فما رأيت عبقرياً ينزع نزعه، حتى شرب الناس وارتووا وضربوا بعطن) فهذا أيضاً واضح بأن المقصود به الخلافة.

ومنها: ما ثبت في الصحيح أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر رؤيا رآها، فقال: إني رأيت سبباً أدلي من السماء فتعلقت به أنت فذهبت، ثم تعلق به أبو بكر، فصعد، ثم تعلق عمر فصعد، ثم تعلق عثمان فصعد، ثم تعلق علي فنشب فأصابه كذا وكذا -يعني: أشياء - عند ذلك تغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم} وأحاديث كثيرة كلها تدل على المعنى الذي أردناه.