للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شبهة والرد عليها]

وليس في الآية إشكال، كما يقول كثير من الناس: إن هذه من المشكلات؛ لأن الله أخبر أنه خلق الخلق للعبادة فتخلفت العبادة وما وجدت من أكثر الناس، وإنما وقعت العبادة من بعضهم، فكيف يخبر الرب جل وعلا بشيء خلاف الواقع؟ فنقول كما تقدم: هذا ليس هو المقصود بالآية، وإنما المقصود بالآية أن ربنا جل وعلا يخبرنا أن الذي خلقنا له هو العبادة، ووكل الأمر إلينا، فإن فعلنا العبادة استحققنا جزاء ربنا في الثواب، وإن لم نفعله فإن الله جل وعلا يعاقبنا؛ لأن هذا هو معنى التكليف، ولا ينافي هذا كون الرب جل وعلا علم كل شيء، ولكن لتمام عدله جل وعلا لا يؤاخذ إلا بالفعل الذي يُفعل، ولا يؤاخذ بعلمه، فإنه علم كل شيء قبل وجود الخلق، يعلم أن هذا المخلوق سوف يولد وسوف يعبد أو لا يعبد، وكل هذا مكتوب في اللوح المحفوظ، كتبه الله جل وعلا قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، أما علمه فلا حد له، وعلمه أزلي، علم كل شيء في الأزل تعالى وتقدس، ولكن لتمام عدله فإنه لا يؤاخذ إلا على العمل البارز المشاهد الذي يعمله الإنسان، كما في الحديث الصحيح قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا شبر أو ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا شبر أو ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)، يعني: ما أحد يدخل الجنة إلا بعمله، ولا أحد يدخل النار إلا بعمله الذي يعمله، فالله يأخذ الإنسان بعمله؛ لأنه ركب فيه العقل والاختيار والقدرة وأمره بما يستطيعه، فإذا فعل ذلك فهذا عنوان الامتثال والطاعة، وإذا امتنع فهذا عنوان الشقاء والمعصية والإباء، وبهذا يتبين لنا معنى الآية.

قال الشارح رحمه الله: [بالجر عطف على التوحيد، ويجوز الرفع على الابتداء].

يعني قوله: [وقوله تعالى] بعد قوله: [كتاب التوحيد]، فكتاب مبتدأ، وهو مضاف والتوحيد مضاف إليه، و (قوله): يكون معطوفاً على المضاف عليه فيكون مجروراً، ويجوز أن يرفع فيكون (وقولُه)، فيكون معطوفاً على الخبر المقدر.