[المسألة الثانية: أن هذه العلوم وأمثالها باقية عند اليهود الذين في زمنه صلى الله عليه وسلم لم ينكروها ولم يتأولوها].
يعني: الذي جاء في حديث ابن مسعود: (كان الرسول صلى الله وسلم جالساً مع أصحابه، فجاء حبر من أحبار اليهود -والحبر: هو العالم- فقال: يا محمد! إنا نجد -يعني: في الكتاب الذي نزل على موسى عليه السلام- أن الله يضع السماوات على إصبع، والأراضين على إصبع، والشجر والثرى على إصبع، والجبال على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، ثم يهزهن ويقول: أنا الملك أين ملوك الدنيا؟ يقول: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تصديقاً لما قال، ونزل قول الله:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الزمر:٦٧]).
وهذا من العلم المتوارث عن الأنبياء، وهو باق عند اليهود، وقد جاء كتابنا مصدقاً ومقرراً وموافقاً له، وهذا هو سبب ضحك النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه صلوات الله وسلامه عليه يفرح أن تكثر الشواهد التي تشهد على صدقه، وعلى صحة ما قاله وجاء به، فيفرح بذلك، وهذا سبب ضحكه صلوات الله وسلامه عليه.
ولقد ضل من قال: إن ضحكه من جرأة اليهود على التشبيه.
فهل يجوز أن يضحك الرسول صلى الله عليه وسلم من الكفر؟! كلا والله، لا يضحك، وإنما يغضب ويكفهر وجهه وينكر الباطل، فكيف يقال هذا؟! لا يقول هذا عاقل.
[المسألة الثالثة: أن الحبر لما ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم صدقه، ونزل القرآن بتقرير ذلك].
اعترض معترض على هذا فقال: من المعلوم المتقرر أن هذه السورة مكية -أعني: سورة الزمر- وهذه الحادثة وقعت في المدينة، فكيف تنزل الآية؟ فيقال: هذا الأمر سهل، فإما أن تكون الآية هذه نزلت مكررة، أو أنها نزلت في المدينة ولم تنزل في مكة، وهذا كثير في كتاب الله، فسور مكية تنزل فيها آيات مدنية في المدينة، فتوضع في المكان الذي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن توضع فيه، فليس هذا إشكالاً.
[المسألة الرابعة: وقوع الضحك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذكر الحبر هذا العلم العظيم].
قلنا: إن الضحك في كونه وافق ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وكان مصدقاً له.