للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سؤال الخليل له ولبنيه الوقاية من عبادة الأصنام]

[المسألة الثامنة: المسألة العظيمة سؤال الخليل له ولبنيه وقاية عبادة الأصنام].

أي أن الخليل صلى الله عليه وسلم يقول: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} [إبراهيم:٣٥] يدعو ربه جل وعلا أن يجعله في جانب بعيد عن عبادة الأصنام هو وبنيه، وعلل هذا بقوله: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} [إبراهيم:٣٦] فخاف -وهو نبي كريم يوحي الله جل وعلا إليه- أن يقع في الشرك، وذلك أن الله جل وعلا خلق الإنسان، وخلق له قوى وفكراً، وجعل الأمر إليه، وقال له: هذا طريق الخير فافعله، وهذا طريق الشر فاجتنبه، فالجزاء يتعلق بأفعاله الاختيارية التي يفعلها باختياره، والإنسان قد لا يملك نفسه، فقد يزين له شيء هو من أسوء الأمور عند الله فيتبعه، فهو إن لم يهده الله ضال، وإن لم يجعل الله جل وعلا له نوراً يهتدي به فإنه يتخبط في الظلمات، وإن كان يعمل بحريته حسب ما أعطيه من الأفكار والنظر والقوة على العمل أو الإحجام عنه، فهذا جعله الله إليه، وهو الذي صار مناط التكليف، ومناط التكليف كونه يفعل باختياره، وإذا فقد الاختيار صار غير مكلف، ولكن هذا الاختيار لقصور الإنسان في الإرادة وفي القوة وفي المآل يخاف أنه يجني، ويقع في الأمور التي تعرض له وتزين له من الباطل، سواء من شهوات أو أهواء أو دنيا أو شيطان، والشيطان قد يكون من شياطين الإنس، وقد يكون من شياطين الجن، فأسباب الانحراف كثيرة جداً تحيط بالإنسان إن لم يعافه الله جل وعلا من ذلك ويتفضل عليه وإلا ضل، فإبراهيم صلوات الله وسلامه عليه شاهد هذه الأمور، واستحضر هذا المشهد أنه إن لم يهده الله ويعصمه فإنه يقع فيما وقع فيه الكثير من الناس.

والإنسان إذا نظر إلى الناس اليوم رأى أن أكثرهم على الضلال، وإن كانوا يسمون الوقت هذا وقت النور ووقت العلم ووقت الازدهار والحضارة، ولكنها حضارة في أمور معينة مادية، أمور الدنيا، وهذه لا تجدي عن الآخرة شيئاً، أما السعادة التي يسعد بها الإنسان في حياته الدنيا وفي آخرته فأكثر الخلق أخطأها وما استطاع أن يصل إليها، وهذه بيد الله، والإنسان عليه أن يسأل ربه هدايته، مع أن الله لا يظلم أحداً، وكل الخلق بالنسبة للأوامر والنواهي سواء، فما خص قوماً دون آخرين بأن خفف عنهم شيئاً من الأوامر أو أباح لهم بعض المنهي عنه، فالخلق كلهم سواء، وإنما المهتدي من هداه الله جل وعلا وحبب إليه الإيمان وزينه في قلبه وكره إليه المعاصي والذنوب وجعله راشداً، وهذا فضل الله يعطيه من يشاء، وإذا منع الله جل وعلا فضله عبداً وكله إلى نظره وإلى قوته وبصيرته وعلمه، فلا يستطيع أن يهتدي بذلك.