للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أقوال أهل البدع في منزلة العمل من الإيمان]

من فوائد الحديث السابق أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، وهذا من الأمور التي خالف فيها بعض أهل البدع أهل السنة, حيث زعموا أن الإيمان هو مجرد تصديق القلب فقط , أما الأعمال فهي خارجة عن ذلك.

وهؤلاء الذين قالوا هذا القول قسمان: قسم يجعل الواجب الذي به النجاة هو ما كان في القلب فقط، ولو أن الإنسان أتى بأي ذنب كان، وإيمانه في قلبه كامل، أو ترك الأعمال؛ فإنه في الجنة وإن ترك الصلاة والصوم والحج والزكاة.

فهذا قول مجانب للحق, هو من أبطل الباطل, وهؤلاء يسمون المرجئة المحضة، وهم الجهمية؛ لأنهم زعموا أن الإيمان المعرفة فقط.

ولهذا يقول لهم أهل السنة: يلزم من هذا أن يكون إبليس مؤمناً لأنه يعرف ربه, وأنتم قلتم: الإيمان هو المعرفة، ويلزم أن تكونوا أنتم كفاراً؛ لأنكم ما عرفتم ربكم، فهم أجهل الناس بالله جل وعلا, وهذا القول لا وجود له الآن، زال مع أهله الذين زالوا والحمد لله، ونرجو ألا يكون له وجود.

القسم الثاني: ما يسمى بمرجئة أهل السنة، يسمون هكذا، وبعضهم يقول: مرجئة الفقهاء، وكثير من المحققين يقول: إن الخلاف معهم خلاف لفظي وليس معنوياً، لأنهم يقولون: من ترك العمل فهو معرض للعذاب والعقاب.

ويقولون: الأعمال من مقتضى الإيمان, ولكنها لا تدخل في مسماه، الإيمان في القلب, أما الأعمال فهي التي يقتضيها الإيمان، إذا وجد الإيمان فلابد من وجود العمل، فإذا كان هذا قولهم فيكون الخلاف لفظياً.

والصواب: أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، يعني: أن العمل يكون إيماناً, وهذا دلت عليه النصوص كما قال الله جل وعلا: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة:١٤٣]، يعني: عملكم كما جاء في سبب النزول، فإن سبب نزول الآية: تحويل القبلة, كانوا يصلون أولاً إلى جهة الشام, فأمروا بالاتجاه إلى الكعبة، فسأل المؤمنون: كيف بصلاتنا التي صليناها نحو الشام؟ فنزلت الآية: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة:١٤٣] يعني: صلاتكم التي صليتموها إلى تلك الجهة محفوظة عند الله, وسوف يجزيكم عليها, فسماها إيماناً.

وكذلك قوله جل وعلا: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن:١١]، قال مجاهد: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله, فيرضى ويسلم.

فسمى الرضا والتسليم إيماناً, ومعلوم أن الرضا عمل, والتسليم عمل، وهذا شيء كثير جداً.

ولكن القول الأول الذي قالوه ممتنع عقلاً وواقعاً, لا يمكن أن يوجد في قلب إنسان إيمان ولا يوجد عمل! هذا ممتنع, ومستحيل مثل هذا، إذا وجد الإيمان في قلب الإنسان فلابد أن يبعثه على العمل، ولا يمكن أن يكون هناك إيمان بلا عمل، فالقول الذي قاله أولئك المبتدعة هو قول مقدر ذهني فقط،، يعني: فرض ذهني, أما أن يكون واقعاً فلا وجود له, ولا يمكن أن يوجد؛ لأنه لابد أن يكون صاحب الإيمان عاملاً, فإذا ترك العمل فهو دليل على أنه ليس عنده إيمان.