للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مكانة النبي صلى الله عليه وسلم التي أنزله الله إياها]

وفي هذا الحديث: أن هذا الكلام إذا قيل حتى لأشرف الخلق الذي هو رسول الله صلى عليه وسلم فإنه يكون شركاً، يعني: إذا شركت المشيئة أو الفعل مع الله جل وعلا في كلمة واحدة وعطفت بالواو فإنه يكون شركاً، ولا فرق بين كونه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مع غيره من الخلق، يجب أن يتنزه منه، ويبتعد عنه.

وفي هذا دليل واضح على أن الله جل وعلا هو وحده الذي يملك كل شيء، وهو وحده المتصرف في كل شيء، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يملك مع الله شيئاً، وإنما هو رسول كلفه الله جل وعلا بإبلاغ الرسالة إلى عباد الله، هذه هي مهمته أكرمه الله جل وعلا بطاعته، ولهذا كان يناله الأذى من الناس، ويناله كذلك المرض، ويناله ما ينال غيره من المؤذيات الطبيعية، وهو كذلك يأخذ بالأسباب التي أمر الله جل وعلا بها، يلبس الدرع ويأخذ السلاح، ويقاتل العدو بالسلاح، ويستعد لذلك، حتى إنه مرة ظاهر بين درعين، أي: لبس درعاً على درع، وفي يوم أحد أصيب صلى الله عليه وسلم بما أصيب به، فكسرت البيضة على رأسه، ودخلت حلقة المغفر في وجنته وجهه صلوات الله وسلامه عليه، وكسرت رباعيته، وصار الدم يسيل على وجهه وهو يسلته بيده ويقول: (كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى الله تعالى؟!) فأنزل الله جل وعلا عليه: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران:١٢٨].

وكذلك يوم خيبر حصل ما حصل عليه وعلى صحابته من الجوع، وكذلك المرض الذي سببه الحمى ووباء المنطقة؛ لأنها كانت وبيئة بالحمى وغير ذلك من الأمور التي تحصل.

فإذاً: النبي صلى الله عليه وسلم ليس إلهاً ولا رباً، وإنما هو بشر مكلف بعبادة الله جل وعلا، وإبلاغ الرسالة، ولهذا يخاطبه الله جل وعلا ويقول له: {قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا} [الجن:٢١] ويقول له: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف:١١٠] ويقول له: {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} [الأعراف:١٨٨] في آيات كثيرة يأمره الله جل وعلا أن يخبر بالواقع الذي هو فيه.

فإذا كان ليس له مع الله شيء فكذلك غيره من الملائكة والرسل ومن هو دون الرسل والأنبياء كالأولياء، فإنهم دونهم لا يصلون إلى مقام الأنبياء، فإذاً: لا يملكون شيئاً مع الله، فلا يجوز أن يدعوا، ولا يجوز أن ينادوا ويقال لهم: بحسبكم أو إننا نستغيث بكم أو نسألكم كذا وكذا من الأمور التي هي بيد الله جل وعلا، ولا يكونون واسطة بين العباد وبين ربهم جل وعلا؛ لأن الله علام الغيوب، وهو قريب ممن دعاه، ولم يجعل بينه وبين عباده واسطة، بل قال جل وعلا: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:١٨٦] فهو قريب من عبده، وأقرب ما يكون الرب جل وعلا من عبده وهو ساجد، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، أي: أقرب ما يكون الرب إلى عبده إذا ظهر منه الذل والانكسار والخضوع لله جل وعلا، فإن السجود مظهر للذل والخضوع، وكلما كان متذللاً لربه خاضعاً له فإن الله جل وعلا يكون قريباً منه.

المقصود أن هذا حق الله؛ فيجب أن يكون خالصاً لله جل وعلا، الدعوة وطلب النفع والضر، وكذلك التصرف في الكون كله الدقيق والجليل فإنه لا يكون شيء في المخلوقات كلها إلا بإذن الله جل وعلا بعد إرادته ومشيئته.