إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}[الأحزاب:٧٠ - ٧١]، أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وإن ما توعدون لآتٍ وما أنتم بمعجزين.
صعد النبي صلى الله عليه وسلم في عام حجة الوداع ليحدد لهذه الأمة هويتها وشخصيتها، ويبين لها ميزتها على بقية الأمم، فقال في نمرة في هذا المسجد المبارك -ومسجد نمرة بعضه في أرض عرفات، وبعضه الآخر في نمرة- وصية جامعة، سمعه فيها (١١٤٠٠٠) من أصحابه رضي الله عنهم أجمعين، فكان مما قاله كما عند الإمام مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما:(إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، وإنما دماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هذيل، فإنه موضوع كله، وربا الجاهلية موضوع كله، وإن أول رباً أضع ربانا، ربا العباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله، فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه؛ فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح، وإني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبداً: كتاب الله وسنتي، وإنكم تسألون عني فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: يا رسول الله! نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت.
فأشار بالسبابة إلى السماء وهو يقول ثلاثاً: اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد).
يستشهد الله عز وجل على أصحابه الذين شهدوا أنه قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وهذه وصية جامعة من وصاياه صلى الله عليه وسلم في آخر حياته في عام حجة الوداع، بين فيها شخصية هذه الأمة، ومعالم الطريق لهذه الأمة المباركة حتى لا تضل.