[وجوب عودة أبناء الأمة الإسلامية إلى الله لتحقيق التمكين]
ولذا لابد لهذه الأمة أن تعود إلى الله عز وجل، وأن تدافع عن هذه الدماء، وأن تحمي هذه الشريعة، وأن تطبق حدود الله، وأن تحكم بشرع الله، بل لا عز لها ولا تمكين حتى تتكون هذه الأمة تكويناً صحيحاً كما كون النبي عليه الصلاة والسلام أمة الإسلام الأولى، فقد ظل عليه الصلاة والسلام سنين طويلة يربي أصحابه على العقيدة الصحيحة؛ إذ لا عزة لهذه الأمة إلا بعقيدة سلفها رضي الله تعالى عنهم.
وعند ذلك فإن النصر آت لا محالة، وسيظهر دين الله لا محالة، ولذلك لما تلت عائشة رضي الله عنها قول الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة:٣٣]، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تقوم الساعة حتى تعبد اللات والعزى.
قالت عائشة: يا رسول الله! لما تلوت هذه الآية ظننت أن الأمر قد تم.
فقال النبي عليه الصلاة والسلام: سيكون من ذلك ما شاء الله أن يكون).
وقال النبي عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه مسلم من حديث شداد بن أوس: (إن الله زوى لي الأرض) أي: جمعها وضمها، (فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها).
وفي مسند أحمد وسنن الدارمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة -وفي رواية: لا ينقضي الليل والنهار- حتى يظهر الله تعالى هذا الدين ويدخله في كل بيت مدر ووبر) يعني: في بيوت الحضر والبدو، لابد أن يسمع بهذا الدين كل أحد.
قال عليه الصلاة والسلام: (حتى يدخل هذا الدين في كل بيت مدر ووبر بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله تعالى به الإسلام وذلاً يذل الله تعالى به الكفر).
هذا الدين لابد أن يظهر، ولا يظهر جزافاً ولا فجأة، بل لابد من العمل لإظهار هذا الدين، ولذلك بشارة عظيمة جداً قالها النبي عليه الصلاة والسلام: (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله تعالى إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون فيكم خلافة راشدة على منهاج النبوة، فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم إذا أراد الله أن يرفعها رفعها، ثم يكون ملك عاض، فيكون فيكم ما شاء الله أن يكون، ثم إذا شاء أن يرفعه رفعه، ثم يكون ملك جبري) وهذا هو الذي تمر به الأمة اليوم، إذ يتجبر الطغاة ويتسلطون على هذه الأمة، ثم قال: (ثم يكون ملك جبري فيكون فيكم ما شاء الله أن يكون، ثم إذا شاء الله أن يرفعه رفعه، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة)، ثم سكت النبي عليه الصلاة والسلام.
فهذا دليل على أن خلافة النبوة قادمة لا محالة، لكن لابد من العمل لها، ولابد من تهيئة الظروف والمناخ لهذه الخلافة الراشدة، ولا نركن لظهور المهدي أو ظهور الخليفة الراشد، وإنما لابد من العمل لهذه الخلافة الراشدة، بالدعوة إلى الله عز وجل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإحياء فريضة الجهاد، ودحر العدو في بيته، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (ونصرت بالرعب مسيرة شهر)، فيسمع العدو بجيش المسلمين على مسافة شهر كامل فينهزم نفسياً، وأعظم الهزائم الهزيمة النفسية، فإذا انهزم الإنسان في نفسه فلابد أن ينهزم مادياً، مهما بلغت قوته.
وقال الله عز وجل: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال:٦٠]، فهذه رهبة للعدو، ونكر الله عز وجل (القوة) في سياق الأمر ليفيد العموم والشمول، فلابد من إعداد العدة حتى نبلغ أوج الدرجات وأعلى المراتب، قوة في السلاح وفي العدة والعتاد، قوة علمية وثقافية، قوة في التقدم، قوة في صناعة الطائرات والدبابات، قوة في شتى المجالات والميادين؛ إذ إن العدو لا يندحر إلا بذلك، مع الأخذ بالأسباب، والأخذ بالأسباب سنة من سنن الله الكونية، ولذلك أعظم الناس وأكرم الناس على الله هو نبينا صلى الله عليه وسلم، وكان بإمكانه أن يدعو وهو في بيته فينصره الله عز وجل، لكنه صلى الله عليه وسلم علم السنن الكونية الربانية في الخلق، وأنه لابد من اتخاذ الأسباب، فكان يجهز الجيوش، ويحثهم على العبادة والطاعة، ثم ينطلق بهم وهو في أولهم لمقاتلة العدو، فإذا ما نزل بهم البأس، وحشرجت الصدور، وبلغت القلوب الحناجر، توجه النبي عليه الصلاة والسلام إلى ربه رافعاً يديه إلى السماء، فيدعو الله تعالى أن يغيثه بجند من السماء، كما حصل في غزوة بدر، فقد سقط رداء النبي من عاتقه، فأخذه أبو بكر الصديق رضي الله عنه فوضعه على عاتقه، وقال: يا رسول الله! والله لا يخزيك الله أبداً، والله إن الله سينجز لك ما وعدك {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:٧]، فإذا تحقق الشرط تحقق المشروط