للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[جاهلية المعاصي]

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: في تلك الخطبة العصماء العظيمة التي حدد فيها النبي عليه الصلاة والسلام معالم هذه الشريعة الغراء، ووضع اللبنات النهائية لهذا الدين، وسنذكر بهذه الخطبة مرة أخرى، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، كان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانا، ربا العباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله، فاستوصوا بالنساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وإني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به لن تضلوا أبداً: كتاب الله، وأنتم تسألون عني فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال بإصبعه السبابة، يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد).

في الخطبة الماضية تكلمنا عن صدر هذه الخطبة، وتكلمنا عن حرمة الدماء والأموال، وقلنا: إن هذه المكائد التي تكاد للأمة الإسلامية إنما هي من تخطيط أوروبي وتنفيذ عربي، ثم تكلمنا بعد ذلك عن معالم الجاهلية، وأن المعاصي تدل على الجاهلية بدلالة حديث أبي ذر رضي الله عنه لما عير بلالاً بأمه وقال: يا ابن السوداء، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (إنك امرؤ فيك جاهلية.

قال: أو على ساعتي هذه يا رسول الله؟!) أي: أبعد هذا العمر الطويل لا تزال في آثار الجاهلية؟! قال: (نعم، إنك عيرته بأمه)، ولذلك بوب البخاري لهذا الحديث: المعاصي من أمر الجاهلية، فكل معصية تظهر في مجتمع أو تظهر في شخص فإنما فيه من الجاهلية على قدر ما فيه من المعاصي، وقلنا أيضاً: إن المجتمع المسلم لابد أن يتميز، وأن يختص بمميزات وخصائص وسمات تختلف عن بقية المجتمعات، وكذلك كل ابن من أبناء الإسلام، وكل فرد من أفراده ينبغي أن يكون شامة وعلامة بين الناس أجمعين، حتى إذا سار في الشوارع والطرقات قال الناس: هذا مسلم، ولذلك هذه القدوة العظيمة تحققت بأكملها في شخص واحد، ألا وهو النبي عليه الصلاة والسلام، ولذلك رضيه إلهه تبارك وتعالى قدوة وأسوة لنا فقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:٢١] فهو الأسوة وحده، وهو القدوة وحده، وانظر إلى آثار ذلك في هذا الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>