ثم قال عليه الصلاة والسلام:(ألا وإن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع)، ولا يكون هذا إلا من عزيز يشعر بعزة الإسلام، ويستعلي بنفسه، ويرتفع بأنفه على هذا الواقع الباطل التي تموج به الدنيا من حوله، وانظروا إلى الموطن الذي قال فيه هذا القول، موطن عظيم جداً، ولذلك لما نودي في المدينة أن النبي عليه الصلاة والسلام سيحج عامه هذا أتاه الناس من كل حدب وصوب، ومن كل فج عميق، يريدون شرف الصحبة مع النبي عليه الصلاة والسلام في الحج، فكان عدد المسلمين إن لم أوهم (١١٤٠٠٠) حاجاً، مع أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يقل هذا في أول البعثة، فلم يخبر أن أخلاق الجاهلية تحت قدميه؛ لأن الوضع لا يسمح، والمسلمون ما زالوا في ضعف، لكن لما اشتد عودهم، وفتحت البلدان، وقويت شوكتهم، وأصبحت لهم دولة وقوة قال هذا، وقال هذا في مكة التي حاربته وطردته، وآذته في نفسه وفي بدنه، وفي أصحابه وفي دعوته، قال هذا مستعلياً؛ لأنه عالٍ أولاً وآخراً، وقوله:(تحت قدمي موضوع)، أي: باطل لا قيمة له، فأخلاق الجاهلية وسماتها وعاداتها إن خالفت سمات الإسلام وسنن الإسلام وهدي الإسلام فلا قيمة لها، وهي باطلة وغير ملزمة لأهل الإسلام.