العصر الاستعماري. ولم يخلصه تحرره السياسي بصفة عامة من التورط الاقتصادي، فإن المشكلة أولاً ذات طابع نفسي؛ لأن المعنى الاقتصادي لم يظفر في ضمير العالم الإسلامي بالنمو نفسه الذي ظفر به في الغرب، في ضمير الرجل المتحضر وفي حياته.
والحق أن الاقتصاد في الغرب قد صار منذ قرون خلت ركيزة أساسية للحياة الاجتماعية، وقانوناً جوهرياً لتنظيمها.
أما في الشرق فقد ظل على العكس من ذلك في مرحلة الاقتصاد الطبيعي غير المنظم، حتى إن النظرية الوحيدة التي تناولت تأثير العوامل الاقتصادية في التاريخ وهي نظرية ابن خلدون قد ظلت حروفاً ميتة في الثقافة الإسلامية، حتى نهاية القرن الأخير.
فلم يُقبل المجتمع الشرقي تحت تأثير احتياجاته الداخلية، على أن يضع نظرية اقتصادية كما حدث في المجتمع الغربي، حين وضع الرأسمالية أو الشيوعية.
إنه لم يقبل على هذا بسبب ما انطوى عليه من نفسية خاصة منعقدة على (الزهد) كمثل أعلى منذ قرون، وإن فقهاً اقتصادياً يستلهم خطته ومفاهيمه من مثل كهذا ويصدر عنه، لا يمكنه بداهة أن يعبر بالدقة العلمية نفسها عن فكرة (المنفعة) الخاصة بالرأسمالية، أو عن فكرة (الحاجة) الخاصة بالنظرية الماركسية؛ فالزهد والمنفعة والحاجة ثلاث حقائق لا يمكن أن تدخل في اطراد اجتماعي واحد، وفي واقع اقتصادي واحد. فقد كان هناك إذن عنصر تنافر أساسي بين الأوضاع الشخصية الموروثة في البلاد الإسلامية وبين التكوينات الاقتصادية التي وضع أسسها العصر الاستعماري.
وهناك عنصرآخر يتمتع بالطابع النفسي نفسه، ويجب أن نحسب له حسابه في هذا التنافي، ذلك العنصر هو فكرة الزمن التي تعد أساسية جداً في تنظيم