العمل في العالم الحديث تبعاً لنظرية تايلور Taylor، فقد سيطرت هذه النظرية على مفاهيم المقدرة الإنتاجية، فساعة (الكرونومتر) التي تستخدم في حساب الثواني تستخدم في الوقت نفسه في تسعير الإنتاج. وليس قولهم (الوقت عملة Times is Money) من قبيل اللعب بالكلمات، بل هو تعبير دقيق عن الواقع المادي في نظر الإنجليز. فجميع ألوان النشاط في المجتمع الصناعي الحديث تنمو في حدود الزمن المادي، وتتقوَّم بساعات عمل؛ أما في البلدان المتخلفة فإنهم لم يجربوا هذه العملة الخاصة إذ تنمو ألوان النشاط والعمل بصورة تقليدية، في حدود الزمن الميتافيزيقي أي في نطاق الأبدية، لأنه لا يهدف إلى تشييد صرح (القوة)، ولا يطبق مبادئها المتنافية مع الأوضاع النفسية، كما نرى ذلك في تاريخ الصين، فقد ظلت الثقافة الصينية الكلاسيكية مثلاً تعلن احتقارها البالغ زمناً طويلاً لقواد الحرب، أولئك (الأدوات) التقليدية (للقوة).
وإذن فلقد كان التنافي بين هذه المباني الموروثة، وبين ألوان العمل المنظم الموقت في المجتمع الحديث، كان هذا التنافي أمراً محتوماً.
وبذا نفهم من أول وهلة كيف تتبدد الأوهام أثناء محاولة بعض البلدان الإسلامية تحقيق استقلالها الاقتصادي بعد أن حققت استقلالها السياسي، فأخذت تستشير لهذه الغاية بعض الخبراء الاقتصاديين، ولم تلبث التجربة أن برهنت لهم على أن (الحالة) في علم الأمراض الاقتصادية ليست كما يحدث في الطب من (اختصاص الدكتور). ولقد رأينا في الواقع الدكتور (شاخت) وهو يعطي مثل هذه الاستشارات، ولقد كان بكل تأكيد خير من يقوم بهذه المهمة لما رشحه به نجاحه في (حالة) سابقة، وهو نجاحه الهائل في تخطيط الاقتصاد الذي تحمل جهداً ضخماً لبلد دخل الحرب العالمية الثانية، دون أن يكون لديه رصيد كبير من الذهب.
لقد تمنوا عموماً أن يكرر الدكتور (شاخت) هذه المعجزة خارج بلاده،