للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولكنهم رأوا أنه لم يستطع تكرارها، وإنما رأينا في مقابل ذلك ما يعد أكثر إفادة في نظرنا، وهو أن المعجزة قد تكررت من تلقاء نفسها، أي بدون مساعدة الدكتور (شاخت) في ألمانيا الغربية كما في ألمانيا الشرقية، دون رصيد كاف من الذهب في كلا البلدين، وأيضاً دون الاعتماد على المصانع التي استمد منها الرايخ الثالث قوته، ثم هدمها المنتصرون في الحرب أو فككوها. واليوم وبعد عشر سنوات من الانهيار التام ينهض الاقتصاد الألماني، ويستعيد مكانه في العالم على جانبي ما سمي (بالستار الحديدي)؛ وعليه فلو كان هناك درس نستفيده من هذا البعث الرائع فلن يكون سوى أن نقول: إن مبدأ اقتصادياً لا يمكن أن يكون له أثره، ومقدرته التامة على التأثير إلا في الظروف التي يتفق فيها مع تجربة اجتماعية معينة.

والواقع أن هذه القدرة لا تصدر عن ظروف اقتصادية محضة، كما ترينا التجربة الألمانية، تلك التي بدأت سيرها من الصفر في الناحية الاقتصادية، منذ عشر سنوات. فإن هناك معادلة شخصية هي التي تهمنا إلى أقصى حد في مضمون هذه المقدرة، ولا شك في أن الدكتور (شاخت) قد أعطى في (استشاراته) الأفرسيوية خير آرائه التي يمكن أن تصدر عن معادلته الشخصية، تلك المعادلة التي شكلتها الظروف النفسية والزمنية للوسط الألماني، هذه الظروف التي تكون مقياساً ضمنياً لا تؤتي معها نصائح الخبير واستشاراته تأثيرها الكامل إذا خرجت عن حدوده؛ وأي فن اجتماعي أو مبدأ اقتصادي لا يمكن أن يكون صادقاً إلا إذا وجد في وضع، لا يتعارض فيه مع عناصر المعادلة الشخصية السائدة في الوسط الذي يراد تطبيقه فيه، ولكي تؤتي النظريات الاقتصادية تأثيرها الاجتماعي يجب ألا يقتصر في دراستها على منصة الجامعة بوصفها علماً وقفاً على بعض المتخصصين، بل يجب أن يطبق هذا العلم على التجارب الجماعية التي يقف فيها وعي كل فرد وإدراكه أمام المشاكل المادية، مقدماً بذلك لعلم المتخصصين ظروف صلاحيته للتأثير.

<<  <   >  >>