سر هذه السوق ولكن السعر لا تحدده العناصر الاقتصادية الخاضعة لقانون العرض والطلب فحسب، بل إنه يتحدد أيضاً بعناصر غير اقتصادية تفصح عن اعتبارات مالية وسياسية واستراتيجية، أعني: الإرادة الخاصة لأحد الأطراف وهو مَن في حوزته العملة، وهذا ينطبق انطباقاً تاماً على البترول مثلاً، فإن هذه العناصر الأخيرة المذكورة هي التي تحدد وحدها أسعاره، دون أن يكون للبلاد المنتجة للمادة حق إبداء رأيها، فإذا انتقلنا عملياً إلى السوق الدولية، وجدنا الأمر قريباً من هذا. إذ تتحدد العلاقة بين المادة الأولية والعملة عملياً من طرف واحد: هو الاحتكار Trusts الذي يحدد الأسعار بنسب تناسبه. وهكذا تخضع سوق المادة الأولية- دون مقابل- لسوق المال ولإرادة رأس المال. وإنه من طبيعة هذا الوضع أن نرى في تلك الإرادة، المقدرة بالدولارات والاسترليني، الفلسفة التي كانت تقود منذ عهد قريب الاستغلال الاستعماري، فهي تحاول اليوم لأسباب مالية واستراتيجية إبقاء (منطقة رهو) في البلاد المنتجة للمادة الأولية، تتفق مع التيارات التجارية ومع التيارات السياسية العالمية أي مع مصالح البلاد ذات الطاقة الاقتصادية العالمية: وتسعير القطن المصري، والكاوتشوك والتوابل في إندونيسيا، والأرز في بورما، إنما يتحدد طبقاً لمقتضيات هذه التيارات، وفي خضم هذه الظروف التي تموج بها السوق العالمية تواجهنا مشكلة تسويق المادة الأولية. والضرر الذي يصاب به الاقتصاد الراهن القائم على أساس النقد إنما يأتي من أن العلاقة بين المادة الأولية والعملة إنما تحددها العملة نفسها.
فمثلاً ليس هناك أي سبب ظاهر لأن يكون سعر (الحلفا) الجزائرية - وهي مادة أولية- أقل ثلاثين أو أربعين مرة من سعر منتجاتها- عجينة السليلوز والورق- المصنوعة في إنجلترا، ليس هناك سوى سبب واحد يتصل بالعلاقة بين الحلفا والجنيه الاسترليني، وذلك هو فائدة الصناعة الإنجليزية والعامل الإنجليزي. وهكذا تكبد ساعة العمل التي يؤديها العامل الإنجليزي