نراها أسوأ بالنسبة لألمانيا إذا ما قدرنا أنها تنطلق من نقطة الصفر، فاقدة كل وسائل الإنتاج الصناعي التي حطمتها الحرب؛ وما تبقّى منها إلى يوم ٨ أيار (مايو) ١٩٤٥، نرى الحلفاء يفككونه وينقلونه خارج البلاد، طبقاً لاتفاقية (بوتسدام)، فبقيت ألمانيا فاقدة كل وسيلة إنتاج صناعي، بل فاقدة سيادتها أيضاً ومضطرة أن تعيش على أرض فقيرة من الناحية الفلاحية، ترزح تحت أكبر احتلال عسكري في التاريخ.
بينها نرى إندونيسيا في الفترة نفسها تستعيد سيادتها الكاملة، حرة في كل تصرفاتها الداخلية والخارجية، وتشرع في تطبيق مخطط أجدر خبير هو الدكتور (شاخت)، الذي وضع لها خطة تنمية قائمة أساساً على موارد أخصب بلاد الله على وجه الأرض.
إن نتيجة الانطلاقتين والموازنة بينهما، ستكون واضحة في برهة وجيزة من الزمن، إذ سنرى:
١) ألمانيا لا تستعيد مركزها الاقتصادي في العالم فحسب، بل تضيف إليه مكتسبات جديدة، تجعلها من الدول الرائدة اقتصادياً، وتضع عملتها في مصف العملات الصعبة التي ينتظر منها أحياناً نجدة الدولار، عندما يفقد النفس في السوق العالمية.
٢) بينما تخرج إندونيسيا من تجربتها في تطبيق مخطط (شاخت)، ليس فحسب من دون أي حصيلة في الميدان الاقتصادي، بل متورطة نفسياً في الشعور بالهزيمة أمام واقع مرير.
فهذه الموازنة الجزئية تجعلنا، إذا ما أردنا أن نقرر شيئاً، أن نقرر عن جدارة أن فقدان الصناعة لا يفسر كل شيء في عالم الاقتصاد.
ويبدو إذن منذ الآن أن التفسير الاقتصادي وحده، لا يفسر الظاهرة التي