" إنه لمن الممكن الوصول إلى معرفة تطبق تطبيقاً نافعاً في الحياة، فتترك مدارس التعليم تلك الفلسفة السكولاستسية، وتعلم فلسفة تقبل التطبيق، وتتيح لنا، بعد معرفة تأثير النار والهواء والأجرام الفلكية، وكل الأجرام التي تحيطنا، أن نستخدمها تحت قانونها بالذات لمصلحتنا الخاصة، لنتمكن من امتلاك الطبيعة والهيمنة عليها".
إن هذه الكلمات ليست إلا عصارة المناخ العقلي الجديد يعصرها رجل عبقري، ما كان يصفيها قبل أوانها في التطور العالمي الشامل، أحد غيره، وما كان أيضاً لأحد قبل (دنيس بابان) و (واط)، أن يستخرج منها نتائجها التطبيقية، مثل الطاقة البخارية وما استتبعت في عالم الاقتصاد حتى عهد التوزيع لمتوسط الدخل الفردي السنوي، على الشكل الذي قدمنا صورته في الفصل السابق.
وإذن فالتفسير الاقتصادي للأوضاع الموجودة في العالم، من تقدم وتخلف، لا يعطينا فكرة صحيحة عن كيفية معالجة التخلف، لأنه يربط الأشياء بأسباب قاصرة، لا يمكن لتجربة ناجحة أن تقوم على أساسها، لا في إندونيسيا ولا في غيرها من البلاد الإسلامية.
ومن هنا يتضح لنا، كم يجدر بمن يتصدى لقضية التخلف في العالم الإسلامي ألا يطرحها ضمن نطاق اقتصادي يضيق غالباً عن تقديم الطريق الأيسر لحلّها، خصوصاً إذا اقترنت النظرة الاقتصادية بانتظار المال من الخارج، حتى إذا أتى يكون غالباً ورطة سياسية، وإن لم يأت يكن بمثابة معطل لقيام النهضة.
بل يحسن بمن يهتم بهذه القضية أن ينظر فيها النظرة الشاملة، حتى ترتبط الأشياء الاقتصادية بجذورها الاجتماعية الثقافية البعيدة، على الأقل في أذهان