فقضية المال بالنسبة للعمل لا زالت قائمة حتى في البلاد الشيوعية، لأن المال له روابط وعلاقات قرابة عالية، كأخطبوط مدّ أذرعه على الكرة الأرضية، فلا يكفي أن تقطع له ذراعاً قبل أن تقطع رأسه.
وهذه القضية نشأت منذ نشأ في العالم، أي منذ زمن بعيد جداً، اقتصاد التبادل بمقتضى التطورات التي حدثت في غرّة العهد التاريخي وقضت على الاقتصاد المنزلي، فقد كان الناس يكونون وحدات إنتاجية صغيرة autarcies domestiques مستقلة مكتفية في كل بيت، لأن الاستهلاك لم يكن يشمل إلا الحاجات الضرورية لكل أسرة من قوت وملبس.
وعندما تنوعت الحاجات وتكاثرت بمقدار التطور وتكاثف السكان في أماكن معينة من قرى ومدن، أصبح من الضروري توزيع العمل على أيد مختصة تعمل خارج البيوت، في ورشات مجهزة تجهيزاً خاصاً لإنتاجها.
هكذا ظهر اقتصاد التبادل الذي أصبح يضمّ عمليتي الإنتاج والتوزيع على نطاق أوسع من البيت، ثم أوسع من القرية، ثم أوسع من المدينة والوطن.
وبقدر ما اتسعت رقعة التبادل هكذا، أصبح التفكير في إيجاد عامل تيسير للتبادل أمراً طبيعياً.
وهكذا تقرر اختيار الذهب والفضة (العملة الصعبة في ذلك الوقت) ليقوما بدور تيسير المعاملات، وفي الحقيقة نشأ (المال) ليقوم بدورين:
فالدور الأول لم يتفرع عن عملية التوزيع، بل عن عملية الإنتاج؛ فالمنتج الذي كان يكتفي بجزء من عمله لسد حاجاته اليومية، وهو يعمل كل يومه، كان من الضروري بالنسبة له أن يفكر في وسيلة اختزان (توفير كما نقول اليوم) للجزء الباقي من عمله، حتى يستطيع رده على حاجات أخرى، أو على أيامه الأخرى إن كان توقف عمله بسبب مرض مثلاً.