فـ (المال) مهما كان نوعه ذهباً أو فضة، كان الوسيلة لاختزان العمل حتى يعود لصاحبه في حاجات أخرى أو في أيام صعبة، تماماً كما تخزن الكهرباء فيما يسمى (المدخرات).
وهو بذلك يمثل فائض العمل عن حاجات البيت، أو عن مقتضيات إنتاج الورشات ( Artisans)، الفائض الذي يخزن بطبيعة الحال في خزان يرده لصاحبه أو أصحابه إذا اقتضى الحال؛ فكان الذهب يتعين عليه أن يقوم بهذا الدور.
ولكن التطورات في المجال الاقتصادي لم تقف عند هذا الحد، بل تبين في ظروف معينة مثل الحروب، أن هذا الفائض للعمل المختزن في الذهب، قد يتعرض للضياع.
فنشأت فكرة تجميع هذه الكميات من الذهب، في خزانات أو خزائن من نوع جديد هي المصرف، تتخذ لها الاحتياطات الضرورية للحفاظ على الودائع التي توضع تحت ضمانها، من بينها توزيع هذه الودائع بين الأيدي المختلفة لتستعملها في جو من الإنتاج، في المكان نفسه أو في أماكن غيره.
وبقدر ما تراكمت وتجمعت الأموال، في منشآت المصرف، تحول أولاً طابعها الاجتماعي، وأصبحت تمثل شيئًا جديداً هو (الرأسمال)، ثم تحولت طبيعة الصلة بين المال والعمل، فبعد أن كان مجرد خزان للعمل أصبح سجّاناً له، السجان الذي لا يعترف لسجينه بحق سوى العمل في مصلحته.
واليوم بعد أن تنوسي دور المال بوصفه مجرد خزينة يودع فيها فائض العمل، لتعيده لصاحبه عند الحاجة، أصبحت أذهاننا لا تستطيع أن تفكر في مشروع اقتصادي، دون أن تقعّده على شروط مالية، كأن العمل أصبح فعلاً سجيناً لا يتحرك إلا بإذن صاحب السجن أي الرأسمال.
وربما لا يضير هذا الوضع البلاد المتقدمة، لأنها صاحبة الرأسمال العالمي، فلا