بفضلها الشعب الألماني استعادة مكانه الذي يفرض وجوده في عالم الاقتصاد، بصورة تجعل المراقبين ينعتون هذه التجربة بـ (معجزة).
ويجدر بنا القول إن هذه التجربة ليست خاصة بـ (الدم الألماني) أي العرق كما كان يعتنقه (روزنبرج)، صاحب كتاب (الدم والذهب) في العهد الهتلري، بل هي معجزة تتكرر كلما تحرك النشاط البشري على أساس إرادة حضارية، كما تكررت فعلاً في أقصى البلاد الشرقية، تجربة اليابان الرائعة التي لم تعد هذه الدولة إلى مركزها الدولي قبل الحرب، بل أصبحت تحتل اليوم رتبة (الدولة الاقتصادية الثالثة) في العالم.
فـ (المعجزة) إذن لا تتوقف على حقنة مالية لأن اليابان لم يتلق أي حقنة من نوع (مشروع مرشال)، ولا تتوقف أيضاً المعجزة على العرق، لأننا ما نعلم أن الشعب الياباني من عرق آري.
فالقضية إذن، بالنسبة للعالم الإسلامي، ليست قضية إمكان مالي، ولكنها قضية تعبئة الطاقات الاجتماعية، أي الإنسان والتراب والوقت، في مشروع. تحركها إرادة حضارية لا تحجم أمام الصعوبات، ولا يأخذها الغرور في شبه تعالي على الوسائل البسيطة التي في حوزتنا منذ الآن، ولا ينتظر العمل بها حقنة من العملة الصعبة، ولا أي مشروع من نوع مرشال.
إن الصين الحديثة، صاحبة المعجزة الكبرى في هذا القرن، خرجت من العدم فتحوّلت معالمها، كما حولت، من أجل بناء سدودها وطرقها، المليارات من الأمتار المكعبة من التراب، لا بالآلات الحافرة والناقلة، المفقودة في بلد ينشأ، ولكن بفضل سواعد أبنائها وعلى أكتافهم. تحدوهم الأسطورة المعبرة عن طاقة الإنسان عندما تحركه إرادة حضارية، فتذكروا أو ذكروا أن جدهم (يوكنج) حوّل الجبال.