ومن هنا تبتدئ ملاحظاتنا على موقف البلدان، في العالم الثالث على العموم، وفي العالم الإسلامي خاصة، تجاه هذه القضية.
إننا رأينا بعض المشروعات تقوم، بعد الحرب العالمية الثانية، في عدد من هذه البلدان، من أجل النهوض بها اقتصادياً؛ ورأينا على الرغم من فقر هذه البلدان من الناحية المالية، أن المشروعات قامت فيها، في الحقيقة، على أساس الاستثمار المالي، حتى في البلاد التي تبنت المبدأ الاشتراكي.
والمناقضة التي تلفت نظرنا في هذه القضية ليست من الناحية النظرية، بوصفها تعارضاً بين تقرير مبدأ مذهبي كالاشتراكية مثلاً، وبين اختيار وسيلة تطبيق تخالف هذا المبدأ، وإن كانت هذه المناقضة أيضاً تلفت النظر، وإنما تهمنا قبل كل شيء المناقضة العملية- البراجماتية- عندما نرى بلاداً فقيرة ترسم خطة نهضتها الاقتصادية على أساس المال، وهي تفقده فلا يمكنها إلا السير البطيء في إنجاز مشروعاتها، أو الاستسلام إلى إرادة الرأسمال كي يقدم لها القروض المناسبة على شروطه، لتسلم المبادرة في تحديد طبيعة الخطة إلى إرادة خبراء أجانب، غير مرتبطين بمصير البلاد التي يخططون لها، مثل أولئك الذين أنيطت بهم (النقطة الرابعة) بعد الحرب العالمية الثانية فطبقوها في العالم الثالث بطريقة لم تحقق أي نتيجة في المجال الاقتصادي، لأنها لم تحرك الإمكانيات الطبيعية في البلاد، وليس هذا فحسب، بل جمدت حتى الإمكان المالي المتخصص لمشروعاتها، لأنها صرفته في جوانب إدارية لا تسمن ولا تغني من جوع، عندما ينطلق النشاط الاقتصادي من نقطة الصفر.
لذلك لم تكن بالتالي لهذه المشروعات نتيجة تعد، سواء بالنسبة إلى بداية نشاط اقتصادي يرفع بالتدريج كابوس التخلف عن هذه البلاد، أو بالنسبة إلى تكوين خبرة ما، تكون في صورة وعي اقتصادي ينمّي حتى في التجارب