بينما تجدر الملاحظة بأن الاعتراض الأول ينشأ تجاه المسلّمة الأولى، في صورة استحالة تطبيقها في البلاد التي تعاني في ظاهر الأمر نقصاً في التغذية، فلا يتصور المنطق الاقتصادي المعتاد أن هذه البلاد تتكفل حق لقمة العيش لكل فم.
وقد حدث لي أن سجلت مثل هذا الاعتراض من قبل أصحاب أفكار متنورة كنت أتحدث إليهم في هذا الموضوع، عندما حللت بمصر سنة ١٩٥٦، فكان يعترض على وجهة نظري بأن البلاد فقيرة، لا تستطيع أن تتكفل بلقمة العيش لكل فم، بينما كانت من الواضح أنها كانت تتحمل عبء كل الأفواه من دون مقابل في عملية الإنتاج، أي أنها كانت في الواقع (تتكفل) دون أن تعود عليها فائدة، لأن كل فم يتناول حتماً لقمة العيش ولو بالطرق غير المشروعة.
فالقضية ليست في الحقيقة، قضية قصور في الإمكان، بل قصور في التصرف والسياسة والتخطيط.
فالاعتراض لا يزيد، هو الآخر على أن يكون نوعاً من الكساد في المجال الفكري، يجب رفعه لتحريك الطاقات المعطلة الأخرى.
ونقول مرة أخرى إن مجرد رفعه لا يعني في التطبيق أن أمر مخطط اقتصادي شامل على أساس المسلمتين أمر بسيط.
فالانتقال من اقتصاد سائب يسير كيفما اتفق له، أو يسير طبقاً لمخطط يترك على الهامش بعض الطاقات الاجتماعية، إلى اقتصاد يحقق تعبئة كل الطاقات، يقتضي عمليات تقنية ربما تتطلب أولاً تغيير خريطة الإسكان في البلاد، للتوفيق بين متطلبات التموين والعمل.
ولا يبدو هذا غريباً، فهذا ما يحدث عرضاً أو قصداً، في كل تخطيط شامل في مرحلة الطفرة أو فيما يسمى في الصين (الوثبة إلى الأمام).
فألمانيا قبل الحرب العالمية الثانية غيرت إلى حد ما خريطة الإسكان داخل