هذا القانون في المجال الاقتصادي هو في المجال النفسي ما تشير إليه الآية الكريمة:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}[الرعد ١٣/ ١١] وما نعبر عنه في المجال الاجتماعي بقولنا: إن الإرادة الحضارية تصنع الإمكان الحضاري.
فالعالم الإسلامي متى تكونت لديه إرادة واضحة للتخلص من التخلف، سيجد أولاً في المجال النظري أن اختياره ليس محدوداً بالرأسمالية ولا بالماركسية، وأنه بالتالي يستطيع التعويض للاستثمار المالي المفقود لديه بالاستثمار الاجتماعي، الموجود على أساس المسلمتين المعروضتين في هذا الفصل، سواء كان ذلك في نطاق مخطط مرحلي خاص بظروف ما أسميناه الإقلاع ( Décollage)، أم كان المخطط يعني أيضاً الاستمرار، إذا ما رأى المجتمع مصلحته في ذلك.
وإذا كان هذا أو ذاك فالمجتمع العصامي الذي يقلع بمجهوده الخاص، سيدرك أن القصور ( Inertie) الذي يفرضه التخلف في المجال الاقتصادي، إنما هو نتيجة لتصوره الأشياء لا لطبيعة الأشياء ذاتها، وسوف يرى طاقاته الذاتية قادرة على تغيير كل الظروف في جو يسوده الإخاء والطمانينة.
وإذا ما كان لنا درس نستخلصه من تجربة الصين، فإنما هو أن المعارك الاقتصادية عندما تدور رحاها، فهي تدور حول قطب القيم الأخلاقية، وإن وَسَّعْنا المصطلح قلنا: حول القيم الثقافية.
والمجتمع الإسلامي أجدر من يحقق له وللإنسانية التجربة، التي تعيد إلى عالم الاقتصاد أخلاقيته، ويتلافى بذلك الانحرافات الإباحية التي تورطت فيها الرأسمالية، كما ينجو من ورطة الماركسية المادية التي سلبت الإنسان ما يميزه عن الآلات والأشياء.