والإنسان مجبول أيضاً على اتباع المنحدر إذا لم تكن وراءه قوة دافعة إلى أعلى. وربما وجدنا توضيحاً وتأكيداً لهذه الملاحظة البسيطة في الآية الكريمة:{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ * فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ}[البلد ٩٠/ ١٠، ١١].
فالإنسان يفضل بطبيعته المنحدر على العقبة، إلا إذا حفزه أمر يجعله يقتحم العقبة، ولم يكن المسلم عندما دخل المعركة السياسية- يطالب بحقوقه في أواخر القرن الماضي- سوى الإنسان الذي يتبع طريق السهولة، الذي سيؤدي إلى تحقيق بعض الرغبات الرخيصة الثمن، حيناً في الركض وراء استقلال لا تؤيده مقومات، السيادة الحقيقية، لأنه لم يجهد نفسه في التفكير فيها، وحيناً في البحث عن وجود يتناقض مع شروط الاستقرار ومع مصالح عليا، مثلما حدث بباكستان، فقد تقرر وجود هذه الدولة على أسس خيالية وعلى نقيض مصلحة الإسلام.
وقد يسمى هذا الانحراف في المجال السياسي خطأ سياسياً، ولكننا إذا تابعنا البحث عن سببه الحقيقي، سنجده مستقراً في العالم الثقافي، وفي الأساس الأخلاقي بالضبط.
إن المقاييس السياسية، حتى إذا لم تتقرر بوضوح وبطريقة إرادية على أساس قيم أخلاقية، لا تخطئ أو تصيب إلا بسبب طبيعة روابط الواقع السياسي مع القيم الأخلاقية.
فالسياسة التي تنهض أساساً بالطالبة بالحقوق وتهمل جانب الواجبات، لا تعدو أن تكون قد اتجهت هذا الاتجاه على أساس اختيار ضمني أو صريح، بين مفهومين أخلاقيين: الواجب والحق.
وبمجرد اختيارها أو تفضيلها لأحد الطرفين تكون قد وضعت في أساس الحياة الاجتماعية كلها- بما فيها الاقتصاد والثقافة- علاقة جبرية بين الحق