للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرواية - وإن كانت ضعيفة -: فهي من نوع ما يحتج به صاحب الشبهة.

وعلى ذلك فلا دلالة في هذه الروايات على بطلان الاستدلال بالسنة على حكم لم يتعرض له القرآن، ودلت عليه مستقلة، فإنه حكم لم يخالف القرآن، حيث إنه قد سكت عنه.

بل نقول: إن القرآن قد تعرض له على وجه الموافقة إجمالاً، حيث قال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (١) وعمم ذلك، ولم يخصصه: بكونه موافقًا للقرآن إجمالاً وتفصيلاً، ومن كل وجه. على أن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد يفهم من القرآن ما لا يفهمه غيره فنظنه نحن ليس فيه، وهو فيه.

أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَمَّا سُئِلَ عَنِ الحُمُرِ، قَالَ: «مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ إِلاَّ هَذِهِ الآيَةُ الجَامِعَةُ الفَاذَّةُ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}؟ (٢)».

فانظر - يا من تريد: أن تستقل باستنباط الأحكام من القرآن، بدون اعتماد على السُنَّةِ - أيستطيع عقلك أن يستنبط هذا الحكم من هذه الآية؟.

قال ابن مسعود - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: «مَا مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ بُيِّنَ لَنَا فِي القُرْآنِ وَلَكِنَّ فَهْمُنَا يَقْصُرُ عَنْ إِدْرَاكِهِ، فلذلك قال تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (٣)».فانظر هذا من ابن مسعود أحد أجلاء الصحابة، وأقدمهم إسلامًا.

...

وأما حديث العرض على ما يعرفه الناس فرواياته اَيْضًا ضعيفة منقطعة، (كما قال البيهقي وابن حزم وغيرهما) فضلاً عما فيه: من نسبة الكذب إليه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حيث يقول: «مَا أَتَاكُمْ مِنْ خَبَرٍ فَهُوَ عَنِّي قُلْتُهُ أَوْ لَمْ أَقُلْهُ».

قال البيهقي - في " المدخل " (*): «وَأَمْثَلُ إِسْنَاٍد رُوِيَ فِي هَذَا المَعْنَى رِوَايَةَ


(١) [سورة الحشر، الآية: ٧].
(٢) [سورة الزلزلة، الآيتان: ٧، ٨].
(٣) [سورة النحل، الآية: ٤٤].

<<  <   >  >>