فيه تغني عن نزوله مكتوبًا. قالوا له: إن موسى وعيسى - عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ - كانا معصومين اَيْضًا مما ذكرت ومع ذلك اهتم الشارع بكتابيهما فأنزلهما مكتوبين وما ذلك إلا لأن العصمة وحدها لا تغني.
وقلنا له نحن معاشر المسلمين من قبلنا: كما أغنت العصمة عن نزوله مكتوبًا تغنينا عدالة الراوي عن كتابة ما هو حجة قرآنًا أو سنة. كل ما في الأمر أن العصمة تفيدنا اليقين والعدالة تفيدنا الظن. والشارع قد تعبدنا بالظن في الفروع ولم يكلفنا بتلمس سبيل اليقين في كل حكم من الأحكام لما في ذلك من الحرج والتعذر {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}(١). على أن النقلة والحاملين للحجة إذا بلغوا حد التواتر أفادنا نقلهم اليقين، كالعصمة وإن لم يكن على سبيل الكتابة. وكثير من السنة قد نقل على هذا الوجه. وصاحب الشبهة يزعم: أنه لا شيء من السنة بحجة، وأن القرآن وحده هو الحجة.
إذن لا بد لصاحب الشبهة - إن كان مسلمًا - أن يعترف معنا أن الكتابة ليست شرطًا في الحُجِّيَةِ. وأن بلوغ الرواة حد التواتر أو عدالتهم وقوة حفظهم - وإن كانوا آحَادًا - قائم كل منهما مقام عصمة النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صيانة ما هو حجة وثبوت حجيته. حتى يمكنه أن يرد على اليهود والنصارى ما أوردوه.
الكِتَابَةُ لاَ تُفِيدُ القَطْعَ:
قد علمت أن كتابة غير العدل لا تفيدنا قطعًا ولا ظنًا. وكذلك إذا كتب العدل وحمل المكتوب إلينا غير عدل.
فأما إذا حصلت من عدل وحمل المكتوب إلينا عدل مثله، فإنها لا تفيد القطع بل الظن، لأن احتمال التغيير والخطأ باق وإن كان ضعيفا لوجود العدالة. نعم إن بلغ كل من الكاتبين والحاملين عدد التواتر، استفدنا القطع، وكذلك إذا كتب واحد