للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن الصلاح (١): «اخْتَلَفَ الصَّدْرُ الأَوَّلُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - فِي كِتَابَةِ الْحَدِيثِ، فَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ كِتَابَةَ الْحَدِيثِ، وَالْعِلْمِ، وَأَمَرُوا بِحِفْظِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ ... ثُمَّ إِنَّهُ زَالَ ذَلِكَ الخِلاَفُ وَأَجْمَعَ المُسْلِمُونَ عَلَى تَسْوِيغِ ذَلِكَ وَإِبَاحَتِهِ، وَلَوْلاَ تَدْوِينُهُ فِي الكُتُبِ لَدُرِسَ فِي الأَعْصُرِ الآخِرَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ». اهـ.

وقال ابن حجر: (٢) « ... [لأَنَّ] السَّلَفَ اِخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ عَمَلاً وَتَرْكًا، وَإِنْ كَانَ الأَمْرُ اِسْتَقَرَّ وَالإِجْمَاعُ اِنْعَقَدَ عَلَى جَوَازِ كِتَابَةِ العِلْمِ، بَلْ عَلَى اِسْتِحْبَابهِ، بَلْ لاَ يَبْعُدُ وُجُوبَهُ عَلَى مَنْ خَشِيَ النِّسْيَانَ مِمَّنْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ تَبْلِيغُ العِلْمِ». اهـ.

...

اِمْتِنَاعُ الصَّحَابَةِ عَنْ التَّحْدِيثِ بِالسُنَّةِ وَنَهْيِهِمْ عَنْهُ:

فإن قيل: قد ظهرت الحكمة في امتناعهم عن كتابة السُنَّةِ وتدوينها. ولكن ماذا تقول في امتناعهم عن التحديث بها ونهيهم عنه؟ أفلا يدل حصول ذلك منهم على أن عدم حُجِّيَّةَ السُنَّةِ كان متقررًا عندهم، وأنهم علموا إرادة الشارع أن لا تنقل حتى لا يتخذها الناس دليلاً على الأحكام الشرعية؟.

قلت: لا يصح بحال أن يتوهم متوهم أنهم امتنعوا عن التحديث في جميع الأحوال. ولا أن يتوهم أن امتناعهم في بعض الأحوال كان ناشئًا من عدم حجيتها.

وكيف يصح هذا الوهم وقد ثبت أن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمرهم بالتحديث وتبليغ ما يصدر منه إلى من بعدهم كما تقدم. وأنه قال فيما يرويه ابن عباس عنه: «تَسْمَعُونَ وَيُسْمَعُ مِنْكُمْ وَيُسْمَعُ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْكُمْ».

وقد تواتر عن الصحابة أنفسهم - سواء منهم من كان ينهى ويمتنع عن


(١) في " علوم الحديث ": ص ١٦٩ - ١٧١.
(٢) ج ١ ص ١٤٦. وانظر: ص ١٤٩.

<<  <   >  >>