للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حجة. وهو بمثابة التصريح من الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك عند من له سمع يسمع وعقل يدرك وهو في الوقت نفسه صريح في رغبته - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في نقل السُنَّةِ والمحافظة عليها. فكيف مع هذا يزعم زاعم أن نهيه عن كتابتها دليل على رغبته في عدم نقلها والمحافظة عليها وعلى عدم حجيتها {فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلاَ تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ، وَمَا أَنْتَ بِهَادِ (*) الْعُمْيِ عَنْ ضَلاَلَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ} (١)؟.

...

الحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ عَنْ كِتَابَةِ السُنَّةِ:

فإن قيل: قد أبنت فيما سبق الحكمة في الأمر بكتابة القرآن وعدم الأمر بكتابة السُنَّةِ ولكن ما ذكرته في ذلك لا يستلزم النهي عن كتابتها، إذ كونها غير معجزة، وغير مُتَعَبَّدٍ بِتِلاَوَتِهَا، وكونها شارحة للقرآن، مُبَيِّنَةٍ للمراد منه، كل ذلك لا يكون باعثًا على هذا النهي وإنما يصلح حكمة لترك الصحابة وشأنهم في كتابتها وعدم كتابتها. ثم إنك قد أبنت (اَيْضًا) أنه لا يصح أن يكون عدم حجيتها باعثًا على هذا النهي، لما تقرر من حجيتها.

فلا بد وأن يكون هناك باعث آخر عليه، فلتبين لنا ما هو؟

قلت: للعلماء في بيان حكمة هذا النهي، أقوال:

القول الأول: أنه نهاهم عن كتابتها خشية اختلاطها بالقرآن، واشتباهه بها (٢).

فإن قيل: لا ضرر من هذا الاشتباه، حيث إن كُلاًّ منهما حجة مفيدة للأحكام الشرعية، ويكفينا في إثبات الحكم الشرعي أن يكون اللفظ صَادِرًا عن الرسول


(١) [سورة الروم، الآيتان: ٥٢، ٥٣].
(٢) انظر " توجيه النظر ": ص ٥.

<<  <   >  >>