للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سواء أكان قرآنًا أم سُنَّةً، والمهم أنه لا يخرج عن أحدهما (١).

قلت: إن القرآن قد امتاز عن السنة بأشياء كالتعبد بتلاوته، ودلالته على الرسالة بإعجازه دلالة باقية إلى يوم القيامة. فهو - وإن شارك السنة في الحُجِّيَةِ - يجب تمييزه عنها: لهذه الأمور التي امتاز بها.

فإن قيل: إن إعجازه كاف في تمييزه عنها (٢) فلا حاجة إلى التمييز بخصوص الكتابة.

قلت: إعجازه إنما يدركه أساطين البلغاء من العرب أيام أن كانت بلاغة العرب في أوجها. وذلك في عصره - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والأعصر القريبة منه.

فأما غير البلغاء منهم في هذه الأعصر - وهم الأكثرون - وجميع العرب فيما وبعد ذلك، وجميع الأعاجم والمستعربين في جميع العصور فلا يمكنهم تغييره عن السُنَّةِ، خُصُوصًا إذا لاحظنا: أن السنة القولية كلام أفصح العرب وأبلغهم، وأنها تكاد تقرب من درجة القرآن في البلاغة. ولا يستطيع أن يقف موقف المميز بينهما إلا من كان من فرسان البلاغة والبيان، وممن يشار إليهم بالبنان.

ولا يتمكن غير البلغاء (اَيْضًا) من إدراك إعجاز القرآن بأنفسهم، وإنما يدركونه: بواسطة عجز من تحداهم النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: من أساطين البلاغة، وأمراء الفصاحة - عن الإتيان بأقصر سورة منه.

وإذا ما ثبت إعجازه: ثبتت لهم رسالته - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإذا ثبتت رسالته: ثبت صدقه في إخباره أن هذه السورة، أو هذه الآية، أو هذه الكلمة، أو هذا الحرف من القرآن , فبهذا الإخبار: يتميز لجميع الأمة عربيها وأعجميها بليغها وغير بليغها - القرآن من غيره


(١) انظر مجلة " المنار ": السَنَةُ ٩، العدد ١٢ ص ٩١٢.
(٢) انظر مجلة " المنار ": السَنَةُ ٩، العدد ٧ ص ٥١٥.

<<  <   >  >>