للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولما كان هذا الإخبار لا يحصل لكل الأمة بالضرورة، بل إنما يحصل لبعض من في عصره - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان يخشى على هؤلاء السامعين، قبل استقراره في القلوب وشيوعه بين الناس الاشتباه بطول الزمن وعدم تمام الحفظ للفظه - خصوصًا الاشتباه في الآية الواحدة، والكلمة الواحدة، والحرف الواحد - حرص النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أشد الحرص على تمييزه جميعه بالكتابة عن سائر ما يصدر عنه، وتخصيصه بها إلى أن يطمئن إلى كمال تميزه عن غيره عند سائر الناس، وإلى استقراره في القلوب وشيوعه بين الناس، وإلى أنه إذا أخطأ فرد من الأمة - فخلط بينه وبين غيره - رده سائر الأمة أو القوم الذين يؤمن تواطؤهم على الكذب إلى الصواب.

ولذلك لما اطمأن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى تميزه تمام التميز أذن في كتابة السنة. كما سيأتي.

...

القول الثاني: أنه نهي عن كتابتها خوف اتكالهم على الكتابة، وإهمالهم للحفظ الذي هو طبيعتهم وسجيتهم وبذلك تضعف فيهم ملكته (١).

ولا يخفى عليك ما في الاتكال على الكتابة، وإهمال الحفظ من ضياع العلم، وذهاب الفهم. على ما علمت بيانه فيما سبق: (٢)

ولذلك: كان النهي خَاصًّا بمن كان قوي الحفظ، آمنًا من النسيان (٣)، فأما من كان ضعيفه: فقد كان يجيز له الكتاب كما سيأتي في أبي شاه.

وكذلك أجاز كتابتها لمن قوي حفظه، لما كثرت جِدًّا، وفاتت الحصر والعد، وضعفت عن حفظ جميعها. كما حصل لعبد الله بن عمرو.


(١) انظر " تدريب الراوي ": ص ١٥٠.
(٢) ص ٤٠٩.
(٣) انظر " تدريب الراوي ": ص ١٥٠.

<<  <   >  >>