للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قيل: إن خوف الاتكال على الكتابة - الذي يضعف معه الحفظ، ويذهب به العلم - متحقق اَيْضًا بالنسبة للقرآن، فلم لم يكن بَاعِثًا على النهي عن كتابته اَيْضًا؟.

قلت: هناك أسباب أخرى بالنسبة للقرآن عارضت هذه الحكمة، واستدعت الأمر بكتابته، بل تقوت على هذه الحكمة، وتغلبت عليها، وأبطلت مفعولها وما ينشأ عنها من الضرر إذا كتب القرآن، وهذه الأسباب هي ما علمته من التعبد بتلاوته وإعجازه، وغير ذلك مما سبق، وقد علمت وجه استدعائها للأمر بكتابته.

أما وجه إزالتها للضرر الناشئ عن الكتابة فهو أن التعبد بالقرآن يتطلب من المكلف حفظه وإن كتبه وإعجازه وسلاسة نظمه، وغرابة أسلوبه كل هذه الأشياء تغري كاتبه على الحفظ، وتحمله عليه.

...

القول الثالث: أن العارفين بالكتابة كانوا في صدر الإسلام قليلين، فاقتضت الحكمة قصر مجهودهم على كتابة القرآن، وعدم اشتغالهم بكتابة غيره. تقديمًا للأهم على المهم (١).

ولذلك لما توافر عددهم أذن - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في كتابة الحديث. كما حدث لعبد الله بن عمرو، وكما حدث في مرض وفاته من همه بالكتابة. كما سيأتي.

القول الرابع: أنه نهاهم خشية الغلط فيما يكتبون من السُنَّةِ لضعفهم في الكتابة، وعدم إتقانهم لها وإصابتهم في التهجي (٢).


(١) انظر " مفتاح السنة ": ص ١٧.
(٢) انظر " تأويل مختلف الحديث ": ص ٣٦٦، و " توجيه النظر ": ص ١٠.

<<  <   >  >>