للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجعل حكمي فيها مخالفًا لحكمهم، ولا يعترض علي معترض فيقول: لم يفعل رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كذا , ويحرمه علينا؟ ولم يمنع نفسه من كذا، ويبيحه لنا؟ أو لاَ يَقِسْ أحد نفسه عَلَيَّ في شيء من ذلك: فإني لم أحل لي أولهم، أو أحرم عَلَيَّ أو عليهم شيئًا من نفسي، ولم أفرق بيني وبينهم، وإنما الحاكم في ذلك كله هو الله تعالى: فهو الذي سوى بيني وبينهم في بعض الأحكام، وهو الذي فَرَّقَ بيني وبينهم في بعضها الآخر.

قال الشافعي (١) - بعد أن روى حديث طاوس -: «هَذَا مُنْقَطِعٌ، وَنَحْنُ نَعْرِفُ فِقْهَ طَاوُسٍ وَلَوْ ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَيَّنَ فِيهِ أَنَّهُ عَلَى مَا وَصَفْت إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ «لاَ يُمْسِكَنَّ النَّاسُ عَلَيَّ بِشَيْءٍ» وَلَمْ يَقُلْ لاَ تُمْسِكُوا عَنِّي بَلْ قَدْ أَمَرَ أَنْ يُمْسَكَ عَنْهُ وَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ».

أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لاَ أَعْرِفَنَّ مَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الأَمْرَ مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ، أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى أَرِيكَتِهِ فَيَقُولُ: مَا نَدْرِي. [هَذَا] وَمَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ [عَزَّ وَجَلَّ] اتَّبَعْنَاهُ».

وَقَدْ أُمِرْنَا بِاتِّبَاعِ مَا أَمَرَنَا، وَاجْتِنَابِ مَا نَهَى عَنْهُ، وَفَرَضَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ عَلَى خَلِيقَتِهِ وَمَا فِي أَيْدِي النَّاس مِنْ هَذَا إلاَّ تَمَسَّكُوا بِهِ عَنْ اللَّهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -، ثُمَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ عَنْ دَلاَلَتِهِ».

ولكن قوله - إن كان قاله -: «لاَ يُمْسِكَنَّ النَّاسُ عَلَىَّ بِشَىْءٍ». يدل على أن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ كان بموضع القدوة: فقد كان له خواص أبيح له فيها ما لم يبح للناس، وحرم عليه منها ما لم يحرم على الناس - فقال: «لاَ يُمْسِكَنَّ النَّاسُ عَلَىَّ بِشَىْءٍ» من الذي لي أو عَلَيَّ دونهم، فإن كان عَلَيَّأو لي دونهم: لا يمسكن به». اهـ.

...


(١) في " جماع العلم ": ص ١١٣ - ١١٥.

<<  <   >  >>