للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} (١). والنهي والذم يدلان على الحرمة (٢).

...

والجواب (أولاً): أن المسألة قطعية والآيتين ظنيتان. لأنهما من قبيل العام وهو ظني الدلالة عندكم وإن لم يدخله التخصيص. ولو ذهبتم مذهب الحنفية من أنه قطعي إذا لم يدخله التخصيص لم يفدكم اَيْضًا. لأنه قطعي بالمعنى الأعم وهو ما لا يحتمل احتمالاً ناشئًا عن دليل والمسألة قطعية بالمعنى الأخص وهو ما لا يحتمل احتمالاً ما، لا ناشئًا عن دليل ولا غير ناشئ. فلا يصح الاستدلال بالآيتين على فرض قطيعتهما بالمعنى الأعم على ما هو قطعي بالمعنى الأخص. إذ لا زال الاحتمال يطرقهما فلا يثبت بهما ما لا احتمال فيه أصلاً.

وثانيًا: أنه لو صح أن الآيتين يبطلان العمل بالظن لأدى ذلك إلى بطلان العمل بظاهر الكتاب، فإنه عمل بالظن , وهو باطل إجماعًا. بل نقول: إن من ظاهر الكتاب هاتين الآيتين، فإذا أبطلا العمل بظاهر الكتاب فقد رجعا على نفسيهما بالبطلان فلم يصح الاستدلال بهما.

وثالثًا: أن تحريم العمل بالظن المدلول عليه بالآيتين مخصوص بالعقائد وأصول الدين. كوحدانية الله. وذلك لأن واجب الاعتبار في العمليات والمسائل الفقهية بالدلائل القاطعة المتقدمة. فوجب التخصيص بما تقدم.

رابعًا: أنا لا نسلم أن الآيتين تدلان على تحريم العمل بالظن بالنسبة إلينا، فإن الآية الأولى خطاب لرسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ولا يلزم من حرمة اتباعه الظن مع كونه قادرًا على تحصيل اليقين بانتظار الوحي الحرمة لنا مع عدم قدرتنا على تحصيل اليقين. وأيضًا يحتمل أن يراد بالعلم فيها مطلق التصديق الشامل للظن، فإن إطلاق


(١) [سورة النجم، الآية: ٢٨].
(٢) انظر " شرح المختصر ": ج ٢ ص ٦٠، و" شرح المُسَلَّمْ ": ج ٢ ص ١٣٦.

<<  <   >  >>