للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَالَ، وَفِي البَيْتِ رِجَالٌ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، قَالَ: «هَلُمَّ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا»، قَالَ عُمَرُ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَلَبَهُ الوَجَعُ. وَعِنْدَكُمُ القُرْآنُ فَحَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ البَيْتِ وَاخْتَصَمُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَا قَالَ عُمَرُ (١)، فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغَطَ وَالاِخْتِلاَفَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «قُومُوا عَنِّي». قَالَ [عُبَيْدُ اللَّهِ]، فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: «إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الكِتَابَ مِنَ اخْتِلاَفِهِمْ وَلَغَطِهِمْ». (إلا أن إحدى هذه الطرق لم يصرح فيها باسم عمر أو غيره) ورواه اَيْضًا " أحمد " و " مسلم " و " الإسماعيلي " و " ابن سعد ". وفي رواية أحمد: أن المأمور بذلك عَلِيٌّ.

وروى الشيخان (٢) من طريق سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ (واللفظ للبخاري)، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَوْمُ الخَمِيسِ، وَمَا يَوْمُ الخَمِيسِ؟ اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ، فَقَالَ: «ائْتُونِي أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا»، فَتَنَازَعُوا وَلاَ يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ. فَقَالُوا: مَا شَأْنُهُ، أَهَجَرَ؟ (٣) اسْتَفْهِمُوهُ؟ فَذَهَبُوا يَرُدُّونَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «دَعُونِي، فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ» وَأَوْصَاهُمْ بِثَلاَثٍ. الحديث.

قال ابن حجر (٤): «قَدَّمَ (يعني البخاري) حَدِيثَ عَلِيٍّ - أَنَّهُ كَتَبَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَطْرُقهُ اِحْتِمَالَ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا كَتَبَ ذَلِكَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَبْلُغْهُ النَّهْيُ، وَثَنَّى بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة [وَفِيهِ الأَمْرُ بِالْكِتَابَةِ] وَهُوَ بَعْدَ النَّهْيِ فَيَكُونُ نَاسِخًا، وَثَلَّثَ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو. وَقَدْ بَيَّنْتُ أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ إِذْنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَهُوَ أَقْوَى فِي الاسْتِدْلاَل لِلْجَوَازِ مِنَ الأَمْرِ أَنْ يَكْتُبُوا لأَبِي شَاهٍ لاحْتِمَالِ اِخْتِصَاصِ ذَلِكَ بِمَنْ يَكُونُ أُمِّيًّا أَوْ أَعْمَى، وَخَتَمَ بِحَدِيثِ اِبْن عَبَّاس الدَّالِّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمَّ أَنْ يَكْتُبَ لأُمَّتِهِ كِتَابًا


(١) انظر في " الفتح ": ج ١ ص ١٤٩، ١٥٠ أقوال العلماء في قول عمر هذا.
(٢) " صحيح البخاري ": ج ٦ ص ٩. و " صحيح مسلم ": ج ٥ ص ٧٥.
(٣) انظر في " الفتح ": ج ٨ ص ٩٣، ٩٤ ما قاله العلماء في ذلك فهو الغاية.
(٤) ج ١ ص ١٥٠.

<<  <   >  >>