للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنما كان بكتابة الحديث في صحف مستقلة ليس فيها شيء من القرآن (١).

ولهذا الاشتباه الذي يحصل من كتابة تأويل الآية معها ذهب بعض العلماء إلى أنه يحتمل أن تكون القراءة الشاذة نشأت من أن الصحابي كتب تفسير كلمة من القرآن معها. فظن التابعي أن ذلك التفسير قرآن. أو من أن الصحابي ذكر التفسير للتابعي فكتبه هذا مع القرآن. فظن من بعده أنه منه.

ثالثها: أن النهي خاص بكتاب الوحي المتلو (القرآن) الذين كانوا يكتبونه في صحف لتحفظ في بيت النبوة. فلو أنه أجاز لهم كتابة الحديث لَمْ يُؤْمَنْ أن يختلط القرآن بغيره. والإذن لغيرهم (٢).

رابعها: أن النهي لمن أمن عليه النسيان ووثق بحفظه وخيف اتكاله على الخط إذا كتب. والإذن لمن خيف نسيانه ولم يوثق بحفظه أو لم يخف اتكاله على الخط إذا كتب (٣).

خامسها: أن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خص بالإذن عبد الله بن عمرو لأنه كان قارئًا للكتب المتقدمة ويكتب بالسريانية والعربية. وكان غيره من الصحابة أُمَّيِّينَ لا يكتب منهم إلا الواحد والاثنان وإذا كتب لم يتقن ولم يصب التهجي. فلما خشى عليهم الغلط فيما يكتبون نهاهم ولما أَمِنَ على عبد الله بن عمرو ذلك أذن له. قاله ابن قتيبة في " تأويل مختلف الحديث " (٤).

وأقول: المستفاد من قوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لاَ تَكْتُبُوا عَنِّي، وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ». وقوله: «امْحِضُوا كِتَابَ اللهِ، [وَأَخْلِصُوهُ]»، أن من نهاهم عن كتابة السُنَّةِ أذن لهم في كتابة القرآن. ولا يعقل أن يكون قد نهاهم عن كتابتها خشية الغلط


(١) انظر " تدريب الراوي ": ص ١٥٠، ١٥١. و " فتح المغيث ": ج ٢ ص ١٨.
(٢) انظر " مذكرة تاريخ التشريع ": ص ١٩٧، ١٩٨. و " علوم الحديث ": ص ١٧١.
(٣) انظر " تدريب الراوي ": ص ١٥٠. و " فتح المغيث ": ج ٢ ص ١٨. و " علوم الحديث ": ص ١٧١.
(٤) ص ٣٦٥، ٣٦٦.

<<  <   >  >>