للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المتقدمة - وفي كلام ابن حجر. إلا أن النسخ في كلاميهما عام لحالتي الأمن والخوف. وفي كلامه خاص بحالة الأمن.

وقد قال بالنسخ جمهور العلماء (١)، واختاره بعض المتأخرين (٢) والحق أنه لا نسخ أصلاً. وأن النهي دائر مع الخوف، والإذن دائر مع الأمن وُجُودًا وَعَدَمًا. وأن الخوف قد يحصل في أي زمن فيتوجه النهي، والأمن قد يحصل في أي زمن فيتوجه الإذن. فإنه يجب أن لا نقول بالنسخ إلا عند عدم إمكان الجمع بغيره، وقد أمكننا الجمع بتخصيص النهي بحالة الخوف والإذن بحالة الأمن. وهو جمع معقول المعنى. فما الذي يضطرنا إلى القول بالنسخ؟ ثم إنه لا داعي للتخصيصات بالصحف أو الأشخاص أو الأزمنة كما ذكر في الأقوال السابقة. بل المدار في النهي على حصول الاشتباه من كتابة السُنَّةِ مع القرآن أو مستقلة ومن كاتب الوحي أو من غيره. وفي زمن نزول الوحي أو في غيره. والمدار في الإذن على الأمن من الاشتباه في هذه الأحوال كلها.

وقلت (إجابة عن السؤال الثاني): إنه لا يصح بحال أن يكون النهي نَاسِخًا للإذن. لأمور ثلاثة:

الأول: ما تقدم لك في إبطال أن الإذن ناسخ للنهي من أنه يجب أن لا يصار إلى القول بالنسخ إلا عند العجز عن الجمع بين الدليلين المتعارضين بغيره. وقد أمكن الجمع كما تقدم. فلا يصح أن يكون أحدهما ناسخا للآخر.

الثاني: أن أحاديث الإذن متأخرة، فحديث أبي شاه عام الفتح وذلك في أواخر حياة النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وحديث أبي هريرة في المقارنة بينه وبين عبد الله بن عمرو متأخر اَيْضًا لأن أبا هريرة متأخر الإسلام. وهو يدل اَيْضًا على أن عبد الله كان يكتب بعد إسلام أبي هريرة. وحديث [هَمِّهِ]- صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بكتابة كتاب لن تضل الأمة بعده كان في


(١) على ما حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية في جوابه في صحة مذهب أهل المدينة: ص ٣٦.
(٢) كصاحب " مفتاح السنة " (*): ص ١٧. والأستاذ أحمد شاكر في تعليقه على " الباعث الحثيث ": ص ١٥٥.

<<  <   >  >>