في الخطأ وهو لا يشعر , فيتخذ حديثه الذي أخطأ فيه حجة يعمل بها إلى يوم القيامة.
وذلك: لأن الإكثار مظنة للخطأ. والخطأ وإن كان لا إثم فيه إلا أن تعمد مظنته يوجب النسبة إلى التفريط، لأنه في قوة تعمد الكذب «وَمَنْ حَامَ حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ».
فلذلك كانوا يتحرزون أشد التحرز، وَيُقِلُّونَ من التحديث، ولا يحدثون إلا بما يثقون به من أنفسهم. ومن كان منهم واثقًا من نفسه مع الإكثار فقد أكثر من التحديث.
وهذه الخشية منهم دليل على عظم شأن السُنَّةِ في نفوسهم، وأنها حجة في الدين يجب العمل بها على عكس ما ذهبت إليه. وهي في الوقت نفسه تملأ قلوبنا احترامًا لهم وثقة بهم واطمئنانًا لما يَرْوُونَهُ عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وإليك الأحاديث والآثار التي تدل على أن خشيتهم من الخطأ كانت سببًا في امتناعهم ونهيهم عن الإكثار. وعلى أنهم ما كانوا يحدثون أو يعملون إلا بما وثقوا به واطمأنوا إليه.
روى أحمد عن ابن عباس أن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«اتَّقُوا الحَدِيثَ عَنِّي إِلاَّ مَا عَلِمْتُمْ، فَإِنَّهُ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».
وروى هو و" ابن ماجه " و " الدارمي " عن أبي قتادة أنه قال: سمعت رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول على هذا المنبر:«يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الْحَدِيثِ عَنِّي، مَنْ قَالَ عَلَيَّ فَلاَ يَقُولَنَّ إِلاَّ حَقًّا، أَوْ صِدْقًا، فَمَنْ قَالَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» ورواه الحاكم اَيْضًا وقال على شرط مسلم.
وأخرج أحمد عن سمرة بن جندب أن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«مَنْ رَوَى عَنِّي حَدِيثًا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبَيْنِ»(١). وفي رواية:«الكَذَّابِينَ». وأخرجه
(١) أو «الكَاذِبِينَ». كما رواه أبو نعيم في كتابه " التخريج على صحيح مسلم ".