ثم إنه ورد في بعض طرقه عن أبي هريرة مرفوعا أنه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«إِنَّهُ سَيَأْتِيكُمْ عَنِّي أَحَادِيثٌ مُخْتَلِفَةٌ، فَمَا [جَاءَكُمْ] مُوَافِقًا لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِسُنَّتِي فَهُوَ مِنِّي , وَمَا [جَاءَكُمْ] مُخَالِفًا لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِسُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي».
وهذه الرواية - وإن كانت ضعيفة اَيْضًا - ليست أضعف من غيرها وهي - كما ترى - لنا لا علينا.
ومما يدل على أن الخبر موضوع أنه صح عنه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال:«لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ، يَأْتِيهِ الأَمْرُ مِنْ أَمْرِي، مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، مَا وَجَدْنَا فِى كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ».
قال الشافعي - في " الرسالة " - بعد أن روي هذا الحديث:«فقد ضيق رسول الله على الناس أن يردوا أمره. بفرض الله عليهم اتباع أمره».
...
وعلى تسليم صحة خبر العرض فلا نعتقد أن أحدًا من المسلمين، يذهب إلى أن معنى الحديث:«أن ما يصدر عن رسول الله على نوعين: ما يوافق الكتاب - وهذا يعمل به - وما يخالفه. وهذا يرد». ألا ترى قوله - في الرواية المذكورة - «فَهُوَ عَنِّي». بالنسبة للأول وقوله:«فَلَيْسَ عَنِّي». بالنسبة للثاني وقوله في بعض الروايات التي رواها ابن حزم:«وَمَا لِرَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى يَقُولَ مَا لاَ يُوَافِقُ القُرْآنَ، وَبِالقُرْآنِ هَدَاهُ اللهُ!؟».
وكيف يكون هذا معنى الحديث ورسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معصوم - بالاتفاق - عن أن يصدر عنه ما يخالف القرآن، وهو أبلغ الناس حفظًا، وأعظمهم لآياته تدبرًا، وأكثرهم لها ذِكْرًا؟ وقد قال تعالى:{قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ}(١) فكل مسلم يعتقد أن كل ما يصدر عنه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يخالف القرآن.