وحقيقة الأمر أننا نلقى معارضة، فإن حكومتنا ـ من حيث القوة الفائقة جداً ذات مقام في نظر القانون يتأدى بها إلى حد أننا قد نصفها بهذا التعبير الصارم:
الدكتاتورية.
وأنني استطيع في ثقة أن أصرح اليوم بأننا أصحاب التشريع، واننا المتسلطون في الحكم، والمقررون للعقوبات، وأننا نقضي باعدام من نشاء ونعفو عمن نشاء، ونحن ـ كما هو واقع ـ اولو الأمر الاعلون في كل الجيوش، الراكبون رؤوسها، ونحن نحكم بالقوة القاهرة، لأنه لا تزال في أيدينا الفلول التي كانت الحزب القوي من قبل، وهي الآن خاضعة لسلطاننا، ان لنا طموحاً لا يحد، وشرهاً لا يشبع، ونقمة لا ترحم، وبغضاء لا تحس. اننا مصدر ارهاب بعيد المدى. واننا نسخر في خدمتنا أناساً من جميع المذاهب والاحزاب، من رجال يرغبون في اعادة الملكيات، واشتراكيين، وشيوعيين، وحالمين بكل أنواع الطوبيات Utopias (١) ، ولقد وضعناهم جميعاً تحت السرج، وكل واحد منهم على طريقته الخاصة ينسف ما بقي من السلطة، ويحاول أن يحطم كل القوانين القائمة. وبهذا التدبير تتعذب الحكومات، وتصرخ طلباً للراحة، وتستعد ـ من أجل السلام ـ لتقديم أي تضحية، ولكننا لن نمنحهم أي سلام حتى يعترفوا في ضراعة بحكومتنا الدولية العليا.
(١) الطوبيات يقصد بها ما يسمى الممالك الفاضلة أو كما سماها الفارابي المدينة الفاضلة ومفرد هذه الكلمة Utopia ( لا أرض) وأول من استعملها في الانجليزية السير توماس مور Sir Thomas More (١٤٨٩ ـ ١٥٣٥) للدلالة على مملكة فاضلة تخيلها، وتخيل الناس فيها سعداء جميعاً، وقد صارت بعد ذلك تطلق على كل فكرة من هذا القبيل وقد ترجمنا أحياناً بالممالك الفاضلة مستأنسين بتسمية الفارابي الفيلسوف المسلم لفكرة له تشبه فكرة الاسمين من التشابه في اللفظ والمعنى، فأما اللفظ فظاهر، وأما المعنى فلأن طوبي في العربية ـ كما وردت في القرآن والترجمة العربية للانجيل ـ تؤدي معنى الجزاء للصالحين بما عملوا من خير، وقد جعلنا النسبة إليها طوباوية وطوباوياً.