للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال النووي: " قوله - صلى الله عليه وسلم - ((ما كان الله ليسلطك عليّ)) فيه بيانُ عصمتِه - صلى الله عليه وسلم - من الناس كلِّهم، كما قال الله: {والله يعصمك من الناس} (المائدة: ٦٧)، وهي معجزة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سلامته من السُّمِّ المهلِك لغيرِه، وفيه إعلامُ الله تعالى له بأنها مسمومةُ، وكلامُ عضوٍ منه له، فقد جاء في غير مسلم: ((إن الذراع تخبرني أنها مسمومة)). (١)

ويحدث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أنه غزا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قِبَل نجد، فلما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أدركتهم نومة القيلولة في وادٍ كثير الشجر.

يقول جابر: فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتفرق الناس، يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت سمُرَةٍ، فعلق بها سيفه، فنِمنا نومةً، ثم إذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعونا فجئناه، فإذا أعرابيٌ جالس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم، فاستيقظتُ وهو في يده صَلتاً، فقال لي: من يمنعُك مني؟ قلت: اللهُ، فها هو ذا جالس)) ثم لم يعاقبْه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -.

وفي رواية لأحمد أنه قام على رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسيف فقال: من يمنعك مني؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهُ عز وجل)).

فسقط السيف من يده فأخذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: من يمنعك مني؟ فقال الأعرابي: كن كخير آخذ.

فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أتشهد أن لا إله إلا الله؟)) قال: لا، ولكني أعاهدُك أن لا أقاتِلَكَ، ولا أكونَ مع قوم يقاتلونك، فخلى سبيله، فذهب إلى أصحابه، فقال: قد جئتُكم من عندِ خير الناس. (٢)

وفي هذا الحديث دلائلُ مختلفة على نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم -، منها: ثبات النبي - صلى الله عليه وسلم - بتأييد الله له، ثم حمايةُ الله له من القتل.

ومنها تأييدُه له بالملائكة، فقد وقع في رواية لابن إسحاق أن جبريل دفع بصدر المشرك فسقط سيفه.


(١) شرح صحيح مسلم (١٤/ ١٧٩).
(٢) رواه البخاري ح (٤١٣٧)، ومسلم ح (٨٤٣)، ورواية أحمد في المسند ح (١٤٥١٢).

<<  <   >  >>