للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال المازري: "هذا الذي قاله هرقل أخذه من الكتب القديمة, ففي التوراة هذا أو نحوه من علامات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , فعرفه بالعلامات, وأما الدليل القاطع على النبوة فهو المعجزة الظاهرة الخارقة للعادة". (١)

ثم دعا هرقل بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي بعث به دحيةَ إلى عظيم بصرى، فدفعه إلى هرقل، فقرأه فإذا فيه ((بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين، و {يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضا أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون})) (آل عمران: ٦٤).

قال أبو سفيان: فلما قال ما قال، وفرغ من قراءة الكتاب؛ كثر عنده الصخب، وارتفعت الأصوات، وأخرجنا.

فقلت لأصحابي حين أخرجنا: لقد أمِرَ [أي بلغ] أمرُ ابن أبي كبشة (٢) أنه يخافه ملكُ بني الأصفر، فما زلتُ موقناً أنه سيظهر حتى أدخل الله عليَّ الإسلام.

ويمضي الخبر ليخبرنا أن هرقل جاءه رجل أرسل به ملك غسان يخبر عن خبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسأل هرقل عن النبي هذا، هل هو مختون أم لا؟ فأخبروه أنه مختون، وأن العرب يختتنون، فقال هرقل: "هذا ملك هذه الأمة قد ظهر".

ثم كتب هرقل إلى صاحب له بروميَّة، وكان نظيره في العلم.

وسار هرقل إلى حمص فلم يرم [أي يصل] حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه، يوافق رأي هرقل على خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه نبي.

فأذن هرقل لعظماء الروم في قصر له بحمص، ثم أمر بأبوابها فغلقت، ثم اطلع فقال: "يا معشر الروم، هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبُت ملككم فتبايعوا هذا النبي؟ فحاصوا حيْصَة حُمُر الوحش إلى الأبواب، فوجدوها قد غُلِّقَت.


(١) شرح النووي على صحيح مسلم (١٢/ ١٠٧).
(٢) وهو اسم كان كفار قريش يعيرون به النبي - صلى الله عليه وسلم -.

<<  <   >  >>