للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما رأى هرقل نفرتهم، وأيس من الإيمان، قال: ردوهم علي.

وقال: إني قلت مقالتي آنفاً أختبر بها شدتكم على دينكم. فقد رأيتُ، فسجدوا له ورضوا عنه. (١)

لقد أنكر هرقل الحق الذي عرفه وتيقنه ضناً بملكه وخشية عليه.

قال النووي: " ولا عذر له في هذا ; لأنه قد عرف صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - , وإنما شح في المُلك, ورغب في الرياسة , فآثرها على الإسلام .. ولو أراد الله هدايته لوفقه كما وفَّق النجاشيَّ وما زالت عنه الرياسة ". (٢)

ويروي ابن إسحاق بسنده عن سلمان الفارسي قصة هجرته في البحث عن الحقيقة، عن الدين الحق، فقد كان سلمان مجوسياً من أهل أصبهان، مجتهداً في المجوسية يعمل مع أبيه على رعاية معبود الفرس - النار - حتى لا تخبو.

خرج سلمان يوماً إلى ضيعة لأبيه، يقول: فمررت بكنيسة من كنائس النصارى، فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون ... فلما سمعت أصواتهم، دخلت عليهم أنظر ما يصنعون، فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم، ورغِبت في أمرهم، وقلت: هذا والله خير من الذي نحن عليه، فوالله ما برِحتُهم حتى غربت الشمس .. ثم قلت لهم: أين أصل هذا الدين؟ قالوا: بالشام.

وعلم أبو سلمان بالخبر فحبس سلمان بالقيد، وما كان للقيد أن يكبل سلمان عن رحلته، فهو مشتاق إلى الحق، فاستطاع سلمان الهرب من قيده إلى الشام، ليبدأ رحلته في البحث عن الحقيقة، تلك الرحلة التي نراها دليلاً من دلائل نبوته - صلى الله عليه وسلم -.

يقول سلمان: فلما قدِمتُ الشام قلتُ: من أفضل أهل الدين علماً؟ قالوا: الأسقفُ في الكنيسة، فجئتُه فقلتُ له: إني قد رغبت في هذا الدين، وأحببت أن أكون معك، فأخدمك في كنيستك، وأتعلم منك، وأصلي معك، قال: ادخل، فدخلت معه.


(١) رواه البخاري ح (٧)، ومسلم ح (١٧٧٣).
(٢) شرح النووي على صحيح مسلم (١٢/ ١٠٧).

<<  <   >  >>