للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة، ويرغبهم بها، فإذا جمعوا إليه شيئاً منها اكتنزه لنفسه، ولم يعطه المساكين، حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق.

فأبغضه سلمان، وكشف لهم حقيقته بعد موته، فوضعوا بدلاً منه آخر، يقول عنه سلمان: ما رأيت رجلاً يصلي أفضلَ منه ولا أزهدَ في الدنيا ولا أرغبَ في الآخرة ولا أدأبَ ليلاً ولا نهاراً منه، فأحببته حباً لم أحبه شيئاً قبله، فأقمت معه زماناً ثم حضرته الوفاة، فقلت له: يا فلان، إني قد كنت معك، وأحببتك حباً لم أحبه أحداً قبلك، وقد حضرك من أمر الله ما ترى، فإلى من توصي بي؟ وبم تأمرني؟

فقال: أي بُنيَّ، والله ما أعلم أحداً على ما كنت عليه، ولقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلاً بالموصل وهو فلان، وهو على ما كنت عليه.

فلما مات الرجل وغُيِّب [أي دُفِن]، لحق سلمان بصاحب الموصل، فأقام عنده إلى حين وفاته، فأوصى الرجلُ سلمانَ أن يلحق برجل على التوحيد في نصيبين، فلزمه سلمان زمناً، فلما أدركه الموت أوصى الرجلُ سلمانَ باللحاق برجل على التوحيد في عمورية من أرض الروم قائلاً: "فإنه على مثل ما نحن عليه، فإن أحببت فأْتِه".

فانطلق إليه سلمان ولزمه فلما أدركته الوفاة، قال له سلمان: إلى من توصي بي؟ وبم تأمرني؟ قال: "يا بني والله ما أعلمه أصبح اليوم أحد على مثل ما كنا عليه فآمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظل زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم، يخرج بأرض العرب، مهاجرُه إلى أرض بين حرتين، بينهما نخل، به علامات لا تخفى: يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل".

ثم مر بسلمان تجار من قبيلة كلب، فقلت لهم: احملوني إلى أرض العرب، وأعطيكم بُقيراتي هذه وغُنيماتي هذه، فحملوه معهم، حتى إذا بلغوا وادي القرى يقول سلمان: فظلموني وباعوني لرجل يهودي، فكنت عنده، فرأيت النخل فرجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي ولم يحق في نفسي.

فبينما أنا عنده إذ قدم عليه ابن عم له من بني قريظة من المدينة، فابتاعني منه، فحملني إلى المدينة، فوالله ما هو إلا أن رأيتُها فعرَفتُها بصفة صاحبي، فأقمت بها.

<<  <   >  >>