للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتدخل امرأة وابنتاها على أم المؤمنين عائشة يشكون الجوع، فما الذي وجدوه في بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -؟

تجيبنا أم المؤمنين عائشة: فلم تجد عندي شيئاً غير تمرة، فأعطيتُها إياها، فقسمَتَها بين ابنتيها، ولم تأكل منها، ثم قامت، فخرجت، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - علينا، فأخبرته فقال: ((من ابتلي من هذه البنات بشيء كن له ستراً من النار)). (١)

وفي مرة أخرى يطرق باب النبي - صلى الله عليه وسلم - ضيف، فلا يجد عليه الصلاة والسلام ما يضيفه، فيرسل إلى بيوته يسأل نساءه، فلا يجد عندهن شيئاً سوى الماء، فلم يجد رسول الله بُداً من الطلب من أصحابه أن يضيِّفوه. (٢)

ومع ذلك كله فقد كان لسانه - صلى الله عليه وسلم - لا يفتَر أن يطلب دوام حال الكفاف والزهادة، فيقول داعياً ربه: ((اللهم ارزق آلَ محمدٍ قوتاً)). (٣)

قال القرطبي: "معنى الحديث أنه طلب الكفاف , فإن القوت ما يقوت البدن ويكف عن الحاجة, وفي هذه الحالة سلامة من آفات الغِنى والفقر جميعاً". (٤)

وإذا تساءلنا عن أثاث بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنه - صلى الله عليه وسلم - ما كان يعيش إلا كسائر لأصحابه، أما وساده - صلى الله عليه وسلم - فتصفه أم المؤمنين عائشة وتقول: (كان وسادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي يتكئ عليها من أدَم [جلد مدبوغ]، حشوها ليف). (٥)

وأما فراشه فحصير يترك أثراً في جنبه، يقول ابن مسعود: نام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حصير، فقام وقد أثَّر في جنبه، فقلنا: يا رسول الله، لو اتخذنا لك وِطاء [فراشاً] فقال: ((ما لي وما للدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكبٍ استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها)). (٦)


(١) رواه البخاري ح (١٤١٨)، ومسلم ح (٢٦٢٩).
(٢) انظره في البخاري ح (٣٧٩٨)، ومسلم ح (٢٠٥٤).
(٣) رواه البخاري ح (٦٤٦٠)، ومسلم ح (١٠٥٥).
(٤) نقله عنه ابن حجر في فتح الباري ح (١١/ ٢٩٩).
(٥) رواه البخاري ح (٦٤٥٦)، ومسلم ح (٢٠٨٢)، اللفظ له.
(٦) رواه الترمذي ح (٢٣٧٧)، وابن ماجه ح (٤١٠٩)، وأحمد ح (٣٧٠١)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه ح (٣٣١٧).

<<  <   >  >>