للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتشكو إليه - صلى الله عليه وسلم - ابنته فاطمة رضي الله عنها ما تلقى في يدها من الرحى، وترجو من أبيها أن يعطيها خادماً يخفف عنها ما هي فيه، فلا يجد الأب الحاني من نصيحة لابنته وزوجها أفضلَ من قوله: ((ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم؟ إذا أويتما إلى فراشِكما أو أخذتما مضاجِعكما، فكبرا ثلاثاً وثلاثين، وسبحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، فهذا خير لكما من خادم)). (١)

وأدركت فاطمة معدِن أبيها ونوعه بين الرجال، وعرفت إيثاره الآخرة على الدنيا، فأتته ذات يوم بكِسْرةِ خبزِ شعير، فأكلها النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: ((هذا أول طعام أكله أبوكِ منذ ثلاث)). (٢)

وتدور الأيام دورتها، وتقبل الدنيا على المسلمين، فيقف عمرو بن العاص يخطب الناس بمصر فقال: (ما أبعد هديَكم من هدي نبيكم - صلى الله عليه وسلم -، أما هو فكان أزهدَ الناس في الدنيا، وأنتم أرغبُ الناس فيها). (٣)

وأبصر النبي - صلى الله عليه وسلم - جبل أُحدٍ فقال لأصحابه: ((ما أحب أنه تَحوَّل لي ذهباً، يمكث عندي منه دينارٌ فوق ثلاث، إلا ديناراً أرصدُه لدَين)).

ثم قال: ((إن الأكثرين هم الأقلون إلا من قال بالمال هكذا وهكذا، وقليل ما هم)) وأشار أبو شهاب بين يديه وعن يمينه وعن شماله، أي يفرقه. (٤)

وتروي عائشة من خبره - صلى الله عليه وسلم - عجباً، فتذكر أنه كان في بيتها بعضُ قطعٍ من ذهب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما فعلتْ الذهبُ)) فقالت عائشة: هي عندي، فقال: ((ائتيني بها)).

تقول عائشة: فجئتُ بها، فوضعها في يده ثم قال بها [أي رماها]، وقال: ((ما ظن محمد بالله لو لقي الله عز وجل وهذه عنده؟ أنفقيها)). (٥)


(١) رواه البخاري ح (٦٣١٨)، ومسلم ح (٢٧٢٧).
(٢) رواه أحمد ح (١٢٨١١).
(٣) رواه أحمد ح (١٧٣٥٣)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب ح (٣٢٩٤).
(٤) رواه البخاري ح (٢٣٨٨)، ومسلم ح (٩٤).
(٥) رواه أحمد ح (٢٤٩٦٤).

<<  <   >  >>