للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحين انطلق الصحابة إلى غزوة بدر، كانوا يتعاقبون، كلُّ ثلاثةِ نفرٍ على بعير، وكان صاحبا النبي - صلى الله عليه وسلم - في الركوب عليٌّ وأبو لبابة.

قال ابن مسعود: وكان إذا كانت عُقْبَة النبي - صلى الله عليه وسلم -[أي إذا انتهت مرحلة النبي في الركوب] قالا له: اركب حتى نمشي عنك. فيقول لهما - صلى الله عليه وسلم -: ((ما أنتما بأقوى مني، وما أنا بأغنى عن الأجر منكُما)). (١)

وحين شرع الصحابة في حفر الخندق لم يركن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى منزلته بين أصحابه، ولم يترفع النبي - صلى الله عليه وسلم - عن العمل معهم في الحفرِ ونقلِ التراب، يقول البراء بن مالك: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينقل معنا التراب يوم الأحزاب، ولقد رأيته وارى الترابُ بياضَ بطنه يقول:

والله لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزِلَنْ سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا

إن الأعداء قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبَينا (٢)

وكان - صلى الله عليه وسلم - يمقت كل مظاهر الكِبْر والتميز عن الناس، ومنه كراهيته أن يقوم له أصحابُه، فقد كان يكره ذلك ويمنعهم منه، يقول أنس: (ما كان شخصٌ أحبَّ إليهم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا؛ لِما يعلمون من كراهيته لذلك). (٣)

ومن كان هذا نعته فجدير أن يبغض وقوف أحد فوق رأسه كما يُفعل للملوك، وهاهو - صلى الله عليه وسلم - يصلي في مرض وفاته قاعداً، وصلى أصحابه وراءه قياماً ..

يقول جابر: فالتفت إلينا، فرآنا قياماً، فأشار إلينا، فقعدنا، فصلينا بصلاته قعوداً، فلما سلم قال: ((إن كدتم آنفاً لتفعلون فِعل فارسَ والروم، يقومون على ملوكهم وهم قعود، فلا تفعلوا؛ ائتموا بأئمتكم، إن صلى قائماً فصلوا قياماً، وإن صلى قاعداً فصلوا قعوداً)). (٤)


(١) رواه أحمد ح (٣٧٦٩).
(٢) رواه البخاري ح (٣٠٣٤)، ومسلم (١٨٠٣).
(٣) رواه أحمد ح (١١٩٣٦)، والترمذي ح (٢٧٥٤)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(٤) رواه مسلم ح (٤١٣).

<<  <   >  >>